[من المحبة النافعة في الدنيا والآخرة: المحبة الزوجية]
ـ[أبو عمر العتيبي]ــــــــ[27 - 04 - 02, 03:53 ص]ـ
[من المحبة النافعة في الدنيا والآخرة: المحبة الزوجية]
قال الإمام ابن القيم -رحمه الله-: [فمن المحبة النافعة: محبة الزوجة، وما ملكت يمين الرجل؛ فإنها معينة على ما شرع الله سبحانه له من النكاح وملك اليمين،
مِن إعفاف الرجل نفسَه وأهلَه؛ فلا تطمح نفسُه إلى سواها من الحرام، ويعفها فلا تطمح نفسُها إلى غيره، وكلما كانت المحبة بين الزوجين أتم وأقوى كان هذا المقصود أتم وأكمل.
قال تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها}.
وقال: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة}
وفي الصحيح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه سئل من أحب الناس إليك؟ فقال: ((عائشة)).
ولهذا كان مسروق -رحمه الله- إذا حدث عنها يقول: حدثتني الصديقة بنت الصديق، حبيبة رسول الله، المبرأة من فوق سبع سموات.
وصح عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((حبب إلي من دنياكم النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة)).
فلا عيب على الرجل في محبته لأهله، وعشقه لها، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له؛ من محبة الله ورسوله، وزاحم حبَّه وحبَّ رسوله.
فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها، فهي مذمومة.
وإن أعانت على محبة الله ورسوله، وكانت من أسباب قوتها، فهي محمودة.
ولذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب الشراب البارد الحلو، ويحب الحلواء والعسل، ويحب الخيل، وكان أحب الثياب إليه القميص، وكان يحب الدباء.
فهذه المحبة لا تزاحم محبة الله، بل قد تجمع الهمَّ والقلب على التفرغ لمحبة الله، فهذه محبة طبيعية تتبع نية صاحبها، وقصده بفعل ما يحبه.
فإن نوى به القوة على أمر الله تعالى وطاعته كانت قربة، وإن فعل ذلك بحكم الطبع والميل المجرد لم يثب ولم يعاقب، وإن فاته درجة مَن فعله متقرباً به إلى الله.
فالمحبة النافعة ثلاثة أنواع:
محبة الله، ومحبة في الله، ومحبة ما يعين على طاعة الله تعالى، واجتناب معصيته.
والمحبة الضارة ثلاثة أنواع:
المحبة مع الله، ومحبة ما يبغضه الله تعالى، ومحبة ما تقطع محبته عن محبة الله تعالى أو تنقصها.
فهذه ستة أنواع، عليها مدار محاب الخلق.
فمحبة الله -عز وجل- أصل المحاب المحمودة، وأصل الإيمان والتوحيد، والنوعان الآخران تبع لها.
والمحبة مع الله أصل الشرك، والمحاب المذمومة والنوعان الآخران تبع لها.
ومحبة الصور المحرمة، وعشقها من موجبات الشرك، وكلما كان العبد أقرب إلى الشرك وأبعد من الإخلاص؛ كانت محبته بعشق الصور أشد.
وكلما كان أكثر إخلاصاً، وأشد توحيداً؛ كان أبعد من عشق الصور.
ولهذا أصاب امرأة العزيز ما أصابها من العشق لشركها.
ونجا منه يوسف الصديق -عليه السلام- بإخلاصه.
قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
فالسوء: العشق، والفحشاء: الزنا.
فالمخلص قد خلص حبه لله فخلصه الله من فتنة عشق الصور، والمشرك قلبه متعلق بغير الله، لم يخلص توحيده وحبه لله -عز وجل-
].
انظر: إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ومكايده (2/ 194 - 198).
ـ[بنت رجال]ــــــــ[27 - 04 - 02, 11:57 ص]ـ
باركم الله فيكم أخي الكريم وأنار بصيرتكم وموضوع جدا هام لا على مستوى العلاقات الأسرية بل العامة
الأزواج الا من رحم الله في هذا الوقت بين مُفرطِ أو مَفرِط!!!
فما السبيل إلى الأعتدال؟؟ سوء الرجوع إلى كتاب الله وسيرة الحبيب المصطفى وهدية مع أزواجه وصحابته
أسأل الله أن يثيبكم أخي الكريم على هذا الموضوع والذي أتمنى أن يلقى ردود من الأخوه في هذا المنتدى الطيب
ـ[هيثم حمدان]ــــــــ[27 - 04 - 02, 05:24 م]ـ
وفق الله الجميع:
لم أفهم قوله (رحمه الله):
" ... بل قد تجمع الهمَّ والقلب على التفرغ لمحبة الله ... " اهـ.
كيف يجمع حب الأشياء الدنيوية القلب على حبّ الله والتفرّغ له؟
ـ[أبو عمر العتيبي]ــــــــ[29 - 04 - 02, 06:47 ص]ـ
الأخت بنت الرجال: جزاك الله خيرا وبارك فيك.
الأخ هيثم وفقه الله: الكلام واضح لا إشكال فيه.
ولو تأملت كلام شيخ الإسلام ابن القيم من أوله لزال الإشكال وأوضحه بمثال:
المطلوب من الإنسان عبادة الله على الوجه الذي يحبه الله.
ومعلوم أن النوم مباح.
ومع ذلك فالنوم الذي يعين على الطاعة ويقوي الجسد على ذلك يكون من العبادة والقربة ..
وكذلك محبة هذه الأشياء كمحبة الحلو البارد والزوجة وغير ذلك ..
مثال آخر: حديث: ((وفي بضع أحدكم صدقة)).
وأنت تعرف هذا الحديث وجواب النبي -صلى الله عليه وسلم- للصحابي الذي استشكل ذلك.
والله أعلم.
ـ[ Abou Anes] ــــــــ[29 - 04 - 02, 01:38 م]ـ
موضوع رائع!
" ... بل قد تجمع الهمَّ والقلب على التفرغ لمحبة الله ... " اهـ.
كيف يجمع حب الأشياء الدنيوية القلب على حبّ الله والتفرّغ له؟
لعل الجواب كالتالي:
الإنسان إذا أحب الأشياء الدنيوية ولم يحصل عليها، فستبقى حينئذ بمثابة هم له (عوالق).
لكن إذا حصل عليها فإنه سيشبع منها أو في أقل الأحوال يحصل له شيء من الشبع. وإذا حصل له ذلك تفرغ لما هو أهم منه.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا حضر العَشاء والعِشاء قدم العَشاء على العِشاء "
وقال أيضا: " لا صلاة بحضرة طعام"
الغرائز إذا لم تشبع فالنتائج تكون وخيمة على اصحابها، فتضاد الفطرة شيء من الجنون ;) ـ والله أعلم ـ
¥