ثانياً: قال السخاري في فتح المغيث 3/ 197 عند الكلام على مسألة جواز تقديم المتن على السند: (ثم إنه يستثنى من الجواز ما يقع لابن خزيمة، فإنه يفعله إذا كان في السند من فيه مقال حيث يبتدئ من المتكلم فيه، ثم بعد الفراغ من المتن يذكر أول السند، وقال إن من رواه على غير هذا الوجه لا يكون في حل منه، ولذا قال شيخنا إنه ينبغي أن القائل بجواز الرواية بالمعنى ألا يجوز مثل هذا – يعني إذا لم يبين-، وكذا ميّز أبو بكر الإسماعيلي بين ما يخرجه في مستخرجه من طريق من يعرض له في القلب منه شيء، وبين الصحيح على شرطه بذكر الخبر من فوق، ثم بعد فراغه منه يقول: أخبرنيه فلان عن فلان كما نبه عليه في المدخل) ا. هـ.
ثالثاً: وقال ابن حجر في فتح الباري 8/ 559: (وفي مغايرة البخاري سياق الإسناد عن ترتيبه المعهود إشارة إلى أنه ليس على شرطه وإن كانت صارت صورته صورة الموصول، وقد صرح ابن خزيمة في صحيحه بهذا الاصطلاح، وأن ما يورده بهذه الكيفية ليس على شرط صحيحه، وحرج على من يغير هذه الصفة المصطلح عليها إذا أخرج منه شيئاً على هذه الكيفية).
رابعاً: الموضع الذي يشير إليه الحافظ ابن حجر والسخاوي في صحيح ابن خزيمة هو قوله في حديث كعب بن عجرة في النهي عن التشبيك بين الأصابع 1/ 228 قال:
(وجاء خالد بن حيان الرقي بطامة، رواه عن ابن عجلان عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد، وحدثناه جعفر بن محمد الثعلبي حدثنا خالد يعني ابن حيان الرقي، ولا أحل لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلا بهذه الصيغة، فإن هذا إسناد مقلوب، فيشبه أن يكون الصحيح ما رواه أنس بن عياض لأن داود بن قيس أسقط من الإسناد أبا سعيد المقبري ... إلخ).
خامساً: قول ابن خزيمة (إلا بهذه الصيغة) يحتمل أن يكون مراده بالصيغة: تأخير الإسناد عن المتن، ويحتمل أن يكون أراد به قوله: (وجاء خالد بن حيان الرقي بطامة)، ففيه التصريح بضعف الخبر، فيكون مراد لا أحل لأحد أن يروي هذا الحديث إلا مبيناً ضعفه بما ذكرته، وهذا هو الذي أرجحه؛ لأن ابن خزيمة يؤخر السند عن المتن في مواضع كثيرة، ويعلق بعض السند قبل المتن، ولم يظهر لي في دراسة كثير منها أنه أراد التضعيف، بل ظهر لي خلافه، ويكفي في بيان هذا أنه في الموضع المتقدم نفسه قد ساق رواية أنس بن عياض بصيغة تأخير السند، مع أن كلامه يدل على أنه يصحح هذه الرواية، فدل على أن الفرق بين رواية أنس بن عياض ورواية خالد الرقي إنما هو النص على تضعيف رواية خالد.
سادساً: ويدل أيضاً على هذا ليس باصطلاح له ما ذكره الأخ من أمثلة، وأزيد:
1 – حديث رقم 433، ذكره بهذه الصيغة، وذكر بعده عدة أخبار ثم قال: (فدلت هذه الأخبار كلها إنما هي الكعبة) فهذه العبارة تفيد أنه ساق الحديث للاحتجاج به، قلت: والحديث أخرجه مسلم رقم 525.
2 – حديث 568، قال: (ورواه يزيد بن خصيفة ... إلخ)، أخرج البخاري 1072 الحديث من الطريق نفسه.
3 – حديث 695 أورده بهذه الصيغة، ثم أثنى على راوي الحديث عقبه.
سابعاً: مما يؤيد أن مراد ابن خزيمة بالصيغة التي لا يجوز رواية الحديث إلا بها هي بيان ضعفه قوله في 2/ 244: (وقد روى الكوفيون أعجوبة عن ابن عمر إني خائف ألا تجوز روايتها إلا تبين علتها ... إلخ) وقوله في أول كتاب الصيام: (فإنا لا نستحل التمويه على طلبة العلم بذكر خبر غير صحيح لا نبين علته فيغتر به بعض من يسمعه).
ثامناً: الحديث الذي ذكره الشيخ حاتم ليس في عبارة ابن خزيمة ما يفيد التضعيف، بل الظاهر أنه أراد الإشارة إلى اختلاف العلماء في سماع الحسن من جابر، وعليه ينبني الحكم على الحديث، وكأنه لم يترجح له شيء في هذه المسألة؛ لأنه قال في 2/ 298: (اختلف أصحابنا في سماع الحسن من جابر)، وقال في 4/ 144: (إن صح الخبر فإن في القلب من سماع الحسن من جابر) ثم قال: (سمعت محمد بن يحيى يقول: كان علي بن عبد الله ينكر أن يكون الحسن سمع من جابر).
وفقني الله وإياك لكل خير، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[10 - 10 - 02, 07:41 ص]ـ
أحسنت أخي حارث
ولازال الأمر يحتاج لمباحثة أكثر
وبودنا المشاركة من الجميع
ـ[بو الوليد]ــــــــ[10 - 10 - 02, 12:34 م]ـ
بارك الله في الإخوة جميعاً ..
الذي فهمته من نقولات الإخوة أن ابن خزيمة يعلق الإسناد أو يذكره بعد المتن لضعفه وعدم أهليته للاحتجاج، وأحياناً أخرى للاختلاف فيه، وربما فعل ذلك دون سبب واضح ..
والله أعلم ..
ـ[عبدالله بن عبدالرحمن]ــــــــ[03 - 01 - 03, 11:11 م]ـ
لعل هذا الأمر يحتاج إلى استقراء أكثر