وقوله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ).
وقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آَمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ).
فوصفه بالعبودية التامة في أشرف المنازل: الإسراء والوحي.
ووصف داوود، عليه الصلاة والسلام، بقوله: (اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ).
ووصف أيوب، عليه الصلاة والسلام، بقوله: (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ).
ووصف نوحا، عليه الصلاة والسلام، بقوله: (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ * فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ).
فحيث كانت القوة في الدين والرجوع إلى الله عز وجل، ودعاؤه لرفع الضر، والانتصار ممن كذب الرسالة، فثم وصف العبودية: أكمل أوصاف الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وهذا القصر بخلاف القصر في نحو قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ)، فهو قصر إضافي، أيضا، لأن صفات النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليست مقصورة على صفة الرسالة فقط، على التفصيل السابق في حق المسيح عليه الصلاة والسلام، ولكنه ليس قصر قلب، لأن لازم ذلك أن الصحابة، رضي الله عنهم، كانوا منكرين لرسالة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقلبت الآية اعتقادهم، ولا أفسد من هذا اللازم، بل هو قصر: "إفراد"، لأنهم اعتقدوا في النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: الرسالة والبقاء، فأفرده الله، عز وجل، بالأولى دون الثانية، وفي التنزيل: (وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ)، وفي حديث عمر رضي الله عنه: (ولكني كنت أرى أن رسول الله سيدبر أمرنا)، أي: سيبقى في أمته حتى يشهد عليها بآخر أعمالها.
ومثله قوله تعالى: (فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ)، وقوله تعالى: (وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)، فهو قصر إضافي من جهة: البلاغ والإنذار، فلا يعني: قصر صفة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليهما، فهو: نبي، مرسل، مبلغ، نذير، بشر، زوج، أب، حاكم، قائد ......... إلخ.
وغالبا ما يكون هذا القصر في معرض إبطال دعوى سابقة، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)، فهو رد على قولهم: (وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ)، فالآيات هي: المعجزات كعصا موسى وناقة صالح، فجاء الرد بـ:
قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا الايات عِندَ الله): وهو قصر حقيقي، على بابه، فالمعجزات لا يجريها على أيدي الرسل، عليهم الصلاة والسلام، إلا مرسِلهم تبارك وتعالى.
و: (وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ)، وهو: قصر إضافي على التفصيل المتقدم.
قوله تعالى: (وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ):
إضافة الكلمة إلى الله، عز وجل، من باب: إضافة الصفة إلى الموصوف، لا المخلوق للخالق، لأن كلمة الله، عز وجل، الشرعية، أو الكونية، وهي المقصودة في هذا السياق صفة من صفاته العلى، والصفة فرع على الموصوف، فكما أن ذاته القدسية غير مخلوقة، فكذا صفاته القائمة بها.
¥