وأما الثالث فلأن السبب لم يتحقق وجوده، ويجوز أيُّهم سار حتى يدخلها، ومتى سرت حتى تدخلها، لأن السير محقق، وإنما الشك في عين الفاعل وفي عين الزمان، وأجاز الأخفش الرفع بعد النفي على أن يكون أصل الكلام إيجاباً ثم أدخلت أداة النفي على الكلام بأسرهِ، لا على ما قيل حتى خاصة، ولو عرضت هذه المسألة بهذا المعنى على سيبويه لم يمنع الرفع فيها، وإنما منعه إذا كان النفي مسلطاً على السبب خاصة، وكل أحد يمنع ذلك.
والثالث: أن يكون فضلةً فلا يصح في نحو سَيري حتى أدخلها، لئلا يبقى المبتدأ بلا خبر، ولا في نحو كان سيري حتى أدخلها، إنْ قدرت كان ناقصة، فإن قدرتها تامة أو قلت سيري أمسِ حتى أدخله، جاز الرفع، إلا إن علقت أمس بنفس السير، لا باستقرار محذوف.
الثاني من أوجُه حتى:
أن تكون عاطفة بمنزلة الواو، إلا أن بينهما فرقاً من ثلاثة أوجه: أحدها: أن لمعطوف حتى ثلاثة شروط: أحدها أن يكون ظاهراً لا مضمراً كما أن ذلك شرط مجرورها، ذكره ابن هشام الخضراوي، ولم أقف عليه لغيره. والثاني أن يكون إما بعضاً من جمع قبلها كقدمَ الحاجُّ حتّى المشاةُ، أو جزءاً من كل نحو أكلتُ السّمكةَ حتى رأسَها، أو كجزء نحو أعجبتني الجاريةُ حتى حديثُها، ويمتنع أن تقول حتى ولدُها، والذي يضبط لك ذلك أنها تدخل حيث يصبح دخول الاستثناء، وتمتنع حيث يمتنع، ولهذا لا يجوز ضربت الرجلين حتى أفضلهما، وإنما جاز: ...
حتى نعلَه ألقاها
لأن إلقاء الصحيفة والزاد في معنى ألقى ما يثقله، والثالث أن يكون غاية لما قبلها إما في زيادة أو نقص؛ فالأول نحو مات الناسُ حتى الأنبياءُ، والثاني نحو زاركَ الناسُ حتى الحجّامونَ، وقد اجتمعا في قوله:
قهرناكمُ حتى الكماةَ؛ فأنتمُ = تهابُوننا حتى بنينا الأصاغرا
الفرق الثاني: أنها لا تعطف الجمل، وذلك لأن شرط معطوفها أن يكون جزءاً مما قبلها أو كجزء منه، كما قدمناه، ولا يتأتى ذلك إلا في المفردات، هذا هو الصحيح، وزعم ابن السّيد في قول امرئ القيس:
سريتُ بهم حتّى تكِلُّ مطيُّهم = وحتّى الجيادُ ما يُقدنَ بأرسانِ
فيمن رفع تكلّ أن جملة تكل مطيهم معطوفة بحتى على سريت بهم.
الثالث: أنها إذا عطفت على مجرور أعيد الخافض، فرقاً بينها وبين الجارة، فتقول مررتُ بالقوم حتى بزيدٍ، ذكر ذلك ابن الخباز وأطلقه، وقيّده ابن مالك بأن لا يتعين كونُها للعطف نحو عجبتُ من القومِ حتّى بنيهم، وقوله:
جُودُ يُمناكَ فاضَ في الخلقِ حتّى = بائسٍ دانَ بالإساءةِ دينا
وهو حسن، ورده أبو حيان، وقال في المثال: هي جارة؛ إذ لا يشترط في تالي الجارة أن يكون بعضاً أو كبعض، بخلاف العاطفة، ولهذا منعوا أعجبتني الجاريةُ حتى ولدها، قال: وهي في البيت محتملة، انتهى. وأقول: إن شرط الجارية التالية ما يُفهم الجمع أن يكون مجرورها بعضاً أو كبعض، وقد ذكر ذلك ابن مالك في باب حروف الجر، وأقره أبو حيان عليه، ولا يلزم من امتناع أعجبتني الجارية حتى ابنها، امتناعُ عجبت من القوم حتى بنيهم، لأن اسم القوم يشمل أبناءهم، واسم الجارية لا يشمل ابنها، ويظهر لي أن الذي لحظهُ ابن مالك أن الموضع الذي يصحُّ أن تحل فيه إلى محل حتّى العاطفة فهي فيه محتملة للجارة؛ فيحتاج حينئذ الى إعادة الجار عند قصد العطف نحو اعتكفتُ في الشّهرِ حتى في آخره، بخلاف المثال والبيت السابقين، وزعم ابن عصفور أن إعادة الجار مع حتى أحسن، ولم يجعلها واجبة.
ـ[الدكتور مروان]ــــــــ[10 - 05 - 2008, 07:44 ص]ـ
تنبيه:
العطفُ بحتى قليلٌ، وأهلُ الكوفة ينكرونه البتة، ويحملون نحو جاء القومُ حتى أبوك، ورأيتهم حتى أباك، ومررت بهم حتى أبيك على أن حتى فيه ابتدائية، وأن ما بعدها على إضمار عامل.
الثالث من أوجُه حتى:
أن تكون حرفَ ابتداء، أي حرفاً تُبتدأ بعده الجملُ أي تستأنف؛ فيدخل على الجملة الاسمية كقول جرير:
فما زالتِ القتلى تمُجُّ دماءَها = بدجلةَ حتّى ماءُ دجلةَ أشكلُ
وقول الفرزدق:
فوا عجباً حتّى كُليبٌ تسُبُّني = كأنّ أباها نهشلٌ أو مجاشعُ
ولابد من تقدير محذوف قبل حتى في هذا البيت يكون ما بعد حتى غاية له، أي فوا عجبا يسبني الناسُ حتى كليبٌ تسبني، وعلى الفعلية التي فعلها مضارع كقراءة نافع رحمه الله (حتّى يقولُ الرّسولُ) برفع يقول، وكقول حسّان:
¥