تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي سياق تقديم خبر كان على اسمها، وتقاطع سياقاته مع سياقات الفاصلة، نجد أن هذا التقاطع ورد ممثلاً في (13 ثلاث عشرة آية). ورد فيها خبر كان مقدما على اسمها (الفاصلة)، ولنضرب مثالاً لنوضح به كيفية ورود هذا النمط الأسلوبي:

قال تعالى: ?فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ? سورة الملك آية رقم (18). فقد قدم الخبر (كيف) أداة الاستفهام ذات الخصوصية المتفردة، على (كان) واسمها المعرفة (نكير). وتقديم (كيف) هنا واجب لاستحقاق أسماء الاستفهام الصدارة. ولكون (كيف) مستحقة للتصدير كانت الآيةعلى النسق الذي لابد أن تكون عليه. واسم كان (نكير) ليس مؤخراً بالمعنى المفهوم لنا، بل هو على نسقه، فهو (تالٍ) للفعل الناسخ ولم يؤخر، ولكن الخبر هو الذي قدم ليس على (اسم كان) بل على (كان) نفسها، لوجود ما يبيح له هذا التقديم. والذي حدث في اسم كان (الفاصلة) هو حذف (ياء المتكلم) من آخره، فكان حقه أن يكون (نكيري) لكن لاستمرار الدفقة الإيقاعية للفاصلة، والمتولدة من بناء أغلب فواصل السورة على حرف (الراء) الذي تكرر في (21 إحدى وعشرين فاصلة) من إجمالي (30 ثلاثين آية) هي جملة آيات السورة، وبنسبة (70%)، ثم حذف (ياء المتكلم). والحذف هو أحد الأحكام الموجبة للمناسبة والمشاكلة الصوتية للفاصلة القرآنية. إذ يعدده السيوطي من جملة الأحكام الأربعين الموجبة للمناسبة في الفاصلة القرآنية. يقول السيوطي: " وحذف فاء الإضافة، نحو:? فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ? ()، و?فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ? () " (). فعلى هذا الأساس حذفت الياء من (نكير)، رعاية للمناسبة في الفاصلة.

ومثال آخر الآية رقم (4) من سورة الإخلاص، قال تعالى: ? وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ?. فالهيكلة التركيبية للآية تقوم على المفردات الآتية: (لم جازمة + فعل مضارع مجزوم (ناسخ ناقص) + جار ومجرور متقدم على متعلقه + خبر يكن مقدم + اسم يكن مؤخر) و " التقديم والتأخير " هنا ليس على القياس النحوي، فالأصل – في غير القرآن – (ولم يكن أحد كفوا له) فتقديم الخبر هنا على المبتدأ على غير قياس. ولذا يجب التساؤل لم حدث هذا الاختراق التركيبي للآية؟!

يرى مكي بن أبي طالب أن: " (أحد) اسم كان، و (كفوا) خبر كان، و (له) ملغي. وقيل: (له) الخبر، وهو قياس قول سيبويه ()، لأنه يقبح عنده إلغاء الظرف إذا تقدم، وخالفه المبرد ()، فأجازه على غير قبح، واستشهد بالآية، ولا شاهد للمبرد في الآية، لأنه ممكن أن يكون (كفوا) حالا من (أحد) مقدما، لأن نعت النكرة إذا تقدم عليها نصب على الحال " (). فعلى هذا هناك إعرابان لكلمة (كفواً):

الأول: أن تكون (خبرا) لكان مقدما على اسمها. والثاني: أن تكون (حالا) من (أحد) تقدمت عليه لكونه نكرة موصوفة في الأصل، فقدمت (الصفة) فنصبت على (الحال).

وعلى هذا يكون (له) الجار والمجرور (خبراً) لكان. وقد رد أبو حيان على هذا الرأي بقوله: " ليس الجار والمجرور منه (تاما)، إنما هو ناقص لا يصلح أن يكون خبرا لكان، بل هو متعلق بـ (كفوا) وقدم عليه. فالتقدير: (ولم يكن أحد كفوا له) أي: مكافئه. فهو في معنى المفعول متعلق بكفوا. وتقدم على (كفوا) للاهتمام به، إذ فيه ضمير الباري تعالى، وتوسط الخبر وإن كان الأصل التأخر، لأن تأخر الاسم هو فاصلة فحسن ذلك " (). وهذا الرأي الذي فنده أبو حيان هو الفصل إذ جعل الأمور في نصابها، فالخبر هنا هو (كفواً)، والجار والمجرور (له) متعلق بالخبر مقدما عليه لاشتماله على ضمير يعود على المولى- سبحانه وتعالى- فاستحق التقديم لهذا، وللاهتمام به. أما تقدم الخبر فهو على سبيل التجوز، وحقه التأخر، إلا أن اسم كان حسن تأخيره لكونه (فاصلة)، أي أن (أحد) فاصلة مبنية على حرف (الدال) الذي بنيت عليه فواصل السورة جميعها، ومن هنا حسن تأخير (اسم كان) رعاية للتشاكل الصوتي، ومناسبة للإيقاع المتولد من هذا التشاكل.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير