الجملة الفعلية في تقاطعاتها مع سياقات الفاصلة تشمل ما يلي:
1 - تقديم المفعول به على الفاعل.
2 - تقديم المفعول به الفعل.
3 - تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول.
فهذه التفصيلات هي محور سياقات " التقديم والتأخير " في الجملة الفعلية، ولذا نفصل القول فيها.
أولاً: تقديم المفعول به على الفاعل:
ورد المفعول به مقدما على (الفاعل) في سياق (الفاصلة) أي كون (الفاعل) هو (الفاصلة) في الآية، ورد ممثلا في (34 أربعة وثلاثين موضعا). توزع المفعول في هذه المواضع كما يلي:
1 - المفعول (ضمير متصل بالفعل) مقدم على (الفاعل) المظهر المنفصل، واجب التقديم في هذه الحالة، ورد ممثلا في (31 إحدى وثلاثين موضعا).
2 - المفعول (اسم ظاهر) والفاعل (اسم ظاهر)، المفعول (غير مستحق للتقديم) ورد ممثلاً في (3 ثلاثة مواضع فقط).
وعلى هذا فإن الحديث عن تقديم المفعول به (المضمر) على (الفاعل) الذي هو بدوره (فاصلة) يكون من جانب (بلاغية هذا التقديم الواجب) هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هي مراعاة (المشاكلة والمماثلة) للفاصلة (الفاعل) مع فواصل السور التي ترد فيها. فمثلا قوله تعالى: ?عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى? سورة النجم آية رقم (5) قدم فيها المفعول به (هاء الغيبة) في الفعل (علمه) على الفاعل (شديد العقاب) وهذا التقديم واجب لكون المفعول به (ضمير متصلاً) والفاعل (اسما ظاهراً). ومن ناحية أخرى جاء (الفاعل المؤخر) والذي هو بدوره (فاصلة) متشاكلاً مع أغلب فواصل السورة المبنية على (الألف المقصورة) والمتمثلة في (27 سبع وعشرين آية) من إجمالي (62 اثنتين وستين آية) هي إجمالي آيات سورة النجم. وبلاغية التقديم هنا على غرض (التفرد) و (الاختصاص) فالرسول ? لم يعلمه بشر، بل علمه رسول من عند رب البشر، وهذا هو مناط الفرق بين تعليم البشر للبشر، وتعليم رب البشر للرسول ?.
ومثال آخر؛ قوله تعالى: ?وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْْغَرُورُ? سورة الحديد رقم (56). فقد وردت الآية على الهيكلة التركيبية الآتية: (فعل+ مفعول به مقدم + جار ومجرور متعلق بالفعل + فاعل مؤخر وجوبا).
فقد قدم المفعول به هنا وجوبا على (الفاعل) لإرادة (التوبيخ) الإلهي للمؤمنين أو للبشر إذ كيف يستحوذ عليكم الشيطان، وقد أتتكم رسلي وكتبي، ولذا استحققتم هذا (التوبيخ) في معرض (الحساب) يوم القيامة. أم بالنسبة للماثلة الصوتية في الفاصلة (الفاعل) كلمة (الغرور) فهي حاضرة هنا وبقوة لكون أغلب فواصل السورة مبنياً على حرف (الراء) الذي تمثل في (11 إحدى عشرة آية) من إجمالي (29 تسع وعشرين آية) هي جملة آيات السورة، وبذلك يتحقق الغرض البلاغي من تقديم المفعول به، ويتحقق التشاكل الصوتي والإيقاعي من تأخير (الفاعل).
إن المقصد من الإشارة إلى وجوب " تقديم المفعول " أو " جواز تقديمه " هو النظر بعين أخرى غير عين البلاغة، هذه العين تكون موجهة للمؤخر (الفاعل) لا للمقدم (المفعول) لأن مناط الاهتمام هنا هو هذا المؤخر لكونه (فاصلة).
أما على صعيد جواز تقديم المفعول، فقد ورد ممثلا في (3 ثلاثة مواضع) فقط منها قوله تعالى:? وَلَقَدْ جَاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ ? سورة القمر آية رقم (41). فقد قدم المفعول به (آل فرعون) على الفاعل (النذر) جوازا وعلى غير قياس لكون كل من الفاعل والمفعول اسمين ظاهرين. وتحقيق البلاغة لهذا التقديم هو (إبطال الحجة) بمعنى أن الله – عز وجل – إذا عذبهم وعمهم بهذا العذاب فقد أبطل حجتهم بإرسال الرسل (النذر). أما على صعيد (الفاصلة) فإن إعادة الجملة إلى رتبتها - في غير القرآن - يكون كما يلي: (ولقد جاء النذر آل فرعون). فالأمر هنا يكون على اعتماد كلمة (آل فرعون) هي (الفاصلة)، وهي بذلك لا تتواءم مع بناء هيكل الفاصلة في السورة الكريمة، إذ (الفاصلة) في السورة مبنية على حرف (الراء) فقط منفردا. فقد هيمن على فواصل السورة كلها، فورد في جميع آياتها ولو تحقق ما رمينا إليه لشكل هذا نبوا إيقاعيا، ونشاذا موسيقيا في سياق إيقاعي منتظم، وهذا لا يكون. وعلى هذا يمكن القول بأن " التقديم والتأخير " هنا كان – بلا شك – من أجل رعاية
¥