تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الضرب الأول: تقديم المفعول الثاني على المفعول الأول، وقد ورد ممثلا في (14 أربع عشرة آية).

والضرب الثاني: تقديم المفعول الثاني على (الفعل)، وقد ورد ممثلا في (آية واحدة) هي قوله تعالى: ? ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ? سورة الحاقة آية رقم (31).

فالضرب الأول ورد (المفعول الثاني) في جميع المواضع على هيئة (شبه الجمة) التي سدت مسد (المفعول الثاني). وقد توزعت إلى:

1 - الظرف، وقد ورد (مفعولا ثان) ممثلا في (آية واحدة) هي قوله تعالى: ?سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ? سورة الطلاق آية رقم (7).

2 - الجار والمجرور، وقد ورد (مفعولا ثان) ممثلا في (13 ثلاث عشرة آية).

وهذا التقسيم مفاده الوقوف على نطاقات عمل (المفعول الثاني) المقدم على (المفعول الأول). هذه النطاقات تستفاد من كون المفعول الثاني في الأصل (خبر)، والمفعول الأول في أصله (مبتدأ)، فالتقديم هنا يدور على دلالات تقديم الخبر (شبه الجملة) على (المبتدأ) النكرة دوما في هذه المواضع. كما أن هذه الدلالات تتواءم وتتضافر مع الدلالات المستفادة من عد (المفعول الأول) في هذه المواضع (فاصلة). وهذا التضافر يمنح سياقات السورة القرآنية أبعادا جمالية ودلالية رائعة. ولنضرب مثالا تطبيقيا لهذا التضافر. فمثلا قوله تعالى:? وَمَنْ َيتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا? سورة الطلاق آية رقم (2). فالهيكلة التركيبية لهذه الآية قائم على: (جعل فعل ناسخ ناصب لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر + فاعل (ضمير مستتر) + مفعول به ثان مقدم (جار ومجرور) + مفعول به أول مؤخر (مخرجا). وكان أصل الكلام - في غير القرآن – أن يكون كالتالي: (يجعل مخرجا له). لكن تم العدول عن هذا الأصل بتقديم ما هو أصل المفعول الثاني (الجار والمجرور) الذي كان (خبر شبه جملة) على المفعول الأول (المبتدأ النكرة) في الأصل. والنحو يقرر وجوب تقديم الخبر (شبه الجملة) على المبتدأ النكرة. ولتتخيل أن هذا الأمر سار في خطوات هي:

1 - الابتداء بالنكرة على غير القياس، (مخرجٌ له).

2 - تحكيم التقرير النحوي بتأخير المبتدأ وجوبا (له مخرجٌ).

3 - دخول الفعل الناسخ الناصب لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، (يجعل الله له مخرجا).

4 - استتار الفاعل لدلالة السياق قبله عليه (يجعل له مخرجا).

هذه الخطوات هي بالفعل ما انتظم كل المواضع التي قدم فيها المفعول الثاني على المفعول الأول.

الدلالات المستنبطة من التقديم في هذه المواضع هي في جوهرها دلالات تقديم الخبر على المبتدأ، ولا مجال هنا للحديث عن (التشاكل والمماثلة الصوتية) للفواصل.

أما الضرب الثاني، والذي تقدم فيه (المفعول الثاني) على (الفعل) وبالتالي على (الفاعل) و (المفعول الثاني)، فقد ورد ممثلا في قوله تعالى: ? ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ?. على الهيكلة التالية:

(مفعول ثان + فعل + فاعل + مفعول أول).

لكننا هنا نجد أنفسنا إزاء (فعل) ليس في جملة الأفعال الناصبة لمفعولين أصلهما المبتدأ والخبر، ونجد أن المفعول الثاني والأول هنا لا يكونان جملة اسمية مفيدة، فما معنى قولك: (الجحيم هو) أو (هو الجحيم) لا معنى حقيقي مستفاد من وراء هذا التركيب. يقول الزمخشري: " لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى لأنه كان سلطانا يتعظم على الناس" ().

ولا ندري لم قدر الزمخشري هنا الاستثناء المنفي؟. وقد رد عليه أبو حيان بقوله: " إنما قدره لا تصلوه إلا الجحيم، لأنه يزعم أن تقديم المفعول يدل على الحصر" (). فالزمخشري يقدم المفعول هنا على غرض الحصر، ولذا قدر النفي هنا. لكن لم نجد من يشير إلى المفعول الأول (الضمير المتصل) في الفعل (صلوه)، وينصب اهتمام النحويين والبلاغيين على المفعول الثاني وسبب تقديمه. يقول النسفي: " نصب الجحيم بفعل يفسره صلوه " (). ويرى العلوي أن الجحيم إنما قدم: " من أجل المشاكلة لرؤس الآي، ومراعاة حسن الانتظام، واتفاق أعجاز الكلم السجعية " (). إذن الأمر يخرج على عدَّ الفعل ناصبا لمفعولين، دون تحديد لهوية هذا الفعل، وأن المفعول الثاني إنما قدم هنا للحفاظ على التشاكل الصوتي للفواصل. وهذا هو الرأي السائد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير