أما النمط الثاني، والذي قدم فيه المفعول المطلق على (الفاعل)، والمتمثل في آيتي سورة الفجر. فالأمر فيهما على الاهتمام بالأغراض المتوخاة من هذا التقديم مع النظر إلى التماثل والمشاكلة الصوتية للفاصلة الممثلة في كلمة (أحد) والتي تقع (فاعلا)، والفاصلة هنا مبنية على حرف (الدال) الذي شكل (10 عشر آيات) من جملة آيات السورة البالغ عددها (30 ثلاثين آية). إذن يتحقق هنا امران: الأول: التقديم لغرض الاختصاص " مراعاة جانب اللفظ والمعنى جميعا، فالاختصاص أمر معنوي، والتشاكل أمر لفظي " (). ولذا لا منافاة إطلاقا بين الأمرين، بل إن تضافرهما معا هو عين المراد.
تلك هي أهم دلالات " التقديم والتأخير " في الفاصلة في سياق " التقديم والتأخير " في جملة المفعول المطلق.
2 - تقديم الحال على عاملها:
وردت الفاصلة القرآنية في جملة الحال المتقاطعة مع سياقات " التقديم والتأخير " في (10 عشرة آيات). وتقديم الحال " يفيد أنه جاء على هذه الصفة مختصا بها من غيرها من سائر صفاته " (). وقد تنوع الحال المقدم إلى نوعين هما:
1 - لفظ (كيف)، وقد ورد ممثلا في (7 سبع آيات).
2 - شبه الجملة، (الجار والمجرور)، وقد ورد ممثلا في (3 ثلاث آيات).
فالنمط الأول للحال قدم فيه لاستحقاق اسم الاستفهام الصدارة، فلا سبيل إلى تأخير الحال وعلى هذا فإن الفاصلة في هذه الآيات السبع هي (الفاعل) في الحال أي (الفعل). لكن حفظ الرتبة هنا للحال المقدم هل أسهم في الحفاظ على السياق الإيقاعي للفاصلة؟! والإجابة تتضح من استعراض سياق الحال في هذه الآيات:
* ففي الآية رقم (36) من سورة القلم ? مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ? بنيت الفاصلة هنا، الفعل (تحكمون) على حرف النون، وهو الحرف الذي بنيت عليه أغلب فواصل السورة، إذ ورد هذا الحرف في بناء فواصل آيات السورة ممثلا في (43 ثلاث وأربعين آية) من جملة (52 اثنتين وخمسين آية) هي عدد آيات السورة ولذلك فإن بناء (الفاصلة) هنا على حرف (النون) أسهم في الحفاظ على التماثل الصوتي والإيقاعي لفواصل السورة.
* وفي الآيتين (19، 20) من سورة المدثر ? فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ? تكرر الأمر نفسه، إذ كان بناء الفاصلة هو الموجه لهذا التقديم. فالفاصلة في الآيتين هنا الفعل (قدر) مبنية على حرف (الراء) الذي بنيت عليه معظم فواصل السورة، فقد ورد ممثلا في (31 إحدى وثلاثين آية) بنسبة (55 %) من جملة فواصل السورة البالغ عدد آياتها (56 ست وخمسين آية).
* وفي الآيات (17، 18،19، 20) من سورة الغاشية ? أَفَلاَ يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَِتْ وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفَعَتْ وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ? كان بناء الفاصلة على حرف (التاء)، وهي (تاء التأنيث الساكنة) والتي لم ترد ممثلة إلا في هذه الآيات الأربع فقط. فالأمر إذن ليس على مدار الحفاظ على إيقاع الفاصلة، بل هو حينئذ على الأغراض البلاغية المتوخاة من وجوب تقديم الحال على (العامل) فيه. هذه الأغراض تقوم على الإشارة إلى مواقف متعلقة بعملية الخلق هي (خلق الإبل، وخلق السماء، وخلق الجبال، وخلق الأرض)، وهذه المواقف لم يكن ثمة سبيل لبشر أن يعاينها، فالأمر هنا على (الاعتبار والعظة) المستفادة من بيان (الكيفية) التي تمت بها عمليات الخلق هنا. فتوظيف (كيف) كحال مقدمة على (عاملها) تفتح باب التصور الذهني مصحوبا بالانبهار من عظمة عملية الخلق المتنوعة هنا، ومن ثم فإن هذا التصور يفضي بنا إلى الانبهار بالخالق – جل وعلا – وهذا هو المراد من وراء التقديم في هذه الآيات.
أما توظيف (شبه الجملة؛ الجار والمجرور) كحال مقدمة على (عاملها)، فقد ورد في (ثلاث آيات) هي:
- قوله تعالى: ? فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ ? سورة المدثر آية رقم (40).
- قوله تعالى: ? عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ ? سورة المطففين آية رقم (23).
- قوله تعالى: ?َ عَلَى الأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ? سورة المطففين آية رقم (35).
¥