تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

يقصد بأشباه الجمل هنا؛ الظرف، والجار والمجرور. وتوظيف الظرف والجار والمجرور في سياق تفصيلات " التقديم والتأخير " أمر غريب إذ أن التقرير النحوي لأشباه الجمل أنهما مما لا رتبة له، والعرب تتوسع فيها ما لا تتوسع في غيرهما. لكننا في سياق البحث عن " التقديم والتأخير " في الفاصلة القرآنية وجدنا لأشباه الجمل دوراً كبيراً ومؤثراً في توجيه تفصيلات " التقديم والتأخير " في الفاصلة القرآنية. فقد أحصينا مواضعا كان لأشباه الجمل فيها الكلمة العليا في توجيه دلالات الفواصل القرآنية. هذه المواضع تمثلت في:

1 - تقدم الظرف على المفعول به، والذي ورد ممثلاً في (آيتين فقط).

2 - تقدم الجار والمجرور على المفعول به، والذي ورد ممثلاً في (52 اثنتين وخمسين آية).

3 - تقدم الجار والمجرور على المفعول المطلق، والذي ورد ممثلاً في (8 ثماني آيات).

4 - تقدم الجار والمجرور على الحال، والذي ورد ممثلاً في (5 خمس آيات).

5 - تقدم الجار والمجرور على المتعلق به، والذي ورد ممثلاً في (53 ثلاث وخمسين آية).

أي أن أشباه الجمل أسهمت في توجيه سياقات التقديم في الفاصلة القرآنية، وتمثلت في (110 مائة وعشر آيات) بنسبة (29.6%) من جملة الآيات التي تقاطعت فيها الفاصلة القرآنية مع سياقات " التقديم والتأخير ".

ولتقديم أشباه الجمل دلالات عديدة، يقول العلوي: " اعلم أن الظرف لا يخلو حاله إما أن يكون وارداً في الإثبات، أو يكون وارداً في النفي. فإذا ورد في الإثبات فتقديمه على عامله إنما يكون لغرض لا يحصل مع تأخيره، فلا جرم التزم تقديمه، لأن في تأخيره إبطالاً لذلك الغرض " (). وعلى هذا الرأي فإن تقديم أشباه الجمل يكون على إفادة غرض ما من وراء هذا التقديم، هذا الغرض ينتفي إذا تأخرت أشباه الجمل.

ولنحاول الآن الوقوف على حركية (أشباه الجمل) في هذه التركيبات للوقوف على مدى ما أسهمت به من دلالات في سياق (الفاصلة القرآنية). فمثلاً قوله تعالى: ? إِنَّ هَؤُلاَء يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءَهُمْ يَوْمًاً ثَقِيلاً? سورة الإنسان آية رقم (27) ضربت هذه الآية للدلالة على تقدم (الظرف) على ما هو أولى منه بالتقديم (المفعول به) فأصل الكلام - في غير القرآن -: (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون يوماً ثقيلاً وراءهم). وما حدث هنا هو تقديم ظرف المكان (وراءهم) على المفعول به (يوماً). والتقديم الذي حدث هنا على غرضين:

الأول: بلاغي يتعلق بمدلول كلمة (وراءهم) التي تشير إلى (اليوم الآخر)، فكأن هؤلاء المعرضين عن الآخرة، استقبلوا (العاجلة) الدنيا بوجوههم، وأداروا الظهور للآخرة (وراءهم) فصارت بمنزلة (الوراء) مع كونها هي (الأمام). وهذا الجمال في الآداء التعبيري بهذا اللفظ عضد الغرض من وراء وصف المفعول به هنا؛ وهو (الإشعار بالغفلة الشديدة). والذي عضد أيضا هذا الغرض وصف المفعول به بالصفة (ثقيلاً)، فهذا الوصف أمعن في إبراز الغفلة، وهول ما ينتظرهم في هذا اليوم.

والغرض الثاني: إيقاعي يتعلق ببناء الفاصلة في الآية، والتي بنيت على حرف (اللام المعانق لألف المد)، هذا الحرف الذي بنيت عليه (9 تسع فواصل) في السورة. ومعظم فواصل السورة على حرف (الراء المعانق لألف المد)، وحرف (الميم المعانق لألف المد) وهذه الأحرف الثلاثة جميعها متقاربة المخارج، ولذا فالقول بالتشاكل والمماثلة الصوتية يكون حاضراً في هذا المقام. ويكفينا أن نشير إلى شكل الآية لو لم يقاطع سياقها "التقديم والتأخير" فشكلها - في غير القرآن - يكون كالتالي: (ويذرون يوماً ثقيلاً وراءهم).

فاعتماد الفاصلة هنا سيكون كلمة (وراءهم) مما سيشكل نبوا موسيقياً وإيقاعياً في سياق فواصل السورة. ومن هنا تأتي الإشارة إلى الأهمية البلاغة لهذا التقديم في الحفاظ على سياق الفاصلة في السورة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير