تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* أيضا قوله تعالى: ? مَالَكُم لاَ تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا? سورة نوح آية رقم (13). تم تقديم الجار والمجرور (لله) على ما هو أولى منه بالتقديم المفعول به (وقارا). هذا التقديم يفنده الزمخشري بقوله: " ? لاَ تَرْجُونَ للهِ وَقَارًا? لا تأملون له توقيراً أي تعظيما. والمعنى مالكم لا تكونون على حال تأملون فيها تعظيم الله إياكم في دار الثواب. و (لله) بيان للموقر، ولو تأخر لكان صلة للوقار " (). وقد أحسن الزمخشري في هذا التحليل البلاغي، لكني لم أفهم مقصده بكلمة (صلة) ولعل مقصده أن يكون (صفة) لهذا المفعول.

والغرض المتوخى من وراء توظيف هذا التقديم هو (التهويل) إذ كيف لا ترجون (لله) وقارا؟!، فهذا التقديم هو مناط الاهتمام في الآية. كما أن للتقديم دوراً في الإسهام في المشاكلة الصوتية للفاصلة في السورة، إذ هي مبنية في معظم فواصلها على حرف (الراء المعانق لألف المد)، وتكرر ذلك في (17 سبع عشرة آية) من إجمالي (28 ثمان وعشرين آية) هي جملة آيات السورة.

* وفي قوله تعالى: ? وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ? سورة التغابن آية رقم (13) تقدم الجار والمجرور (على الله) على المتعلق به الفعل (يتوكل)، على قصد (القصر) أي أنه لا يجوز للمؤمنين أن يتوكلوا إلا على الله وحده. فهذا (القصر) هو عين الحقيقة المرادة في الآية. والآية مصدرة بالتوحيد، ونفى الإشراك، ولذا كان لا بد من اتباع هذا التوحيد بكمال الاتكال على الله - عز وجل -. يقول البيضاوي: " لأن إيمانهم بأن الكل منه يقتضي ذلك " (). فالتوحيد يقتضي حسن التوكل على هذا الإله الواحد المتكفل بقضاء حوائج خلقه.

* وفي قوله تعالى: ?وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ? سورة المدثر رقم (7) تقدم الجار والمجرور (لربك) على المتعلق به الفعل (اصبر). هذا التقديم قائم في المقام الأول من أجل الحفاظ على التشاكل الصوتي في الفواصل المتتالية والمبنية على (حرف الراء) من أجل إشعار المتلقي بأهمية ما يتلى. يقول د. السيد خضر: " الفاصلة عنصر أساسي من عناصر التصوير باللوحة القرآنية، حيث أن اللوحة القرآنية تتبع كل آياتها تقريباً فاصلة واحدة أو فواصل متقاربة الإيقاع " (). هذه اللوحات هي مكونات إبداعية للسور القرآنية. ففي كل سورة تتكرر اللوحات وتتضافر فيما بينها لتؤدي أهدافا ومقاصدا من وراء هذا التوظيف الدلالي الرائع. وفي سورة المدثر تبدأ بنداء الله تعالى لرسوله ?، وإسداء بعض الأوامر والنواهي إليه في الآيات من (1 - 7)، ونجد الفواصل في هذه اللوحة تنتهي (براء) قبلها حرف متحرك مع تقارب في الوزن، ومنها (المدثر، وأنذر، وكبر، طهر) (). والسؤال الآن لم اختيار حرف (الراء) هنا في هذه الآيات؟! والإجابة نجدها في الإحصاء الذي قدمه لنا د. السيد خضر حول فواصل القرآن إذ احتلت (الراء) المركز الثالث في أكثر فواصل القرآن عددا، وتكررت (الراء) في الفواصل القرآنية في (690 ستمائة وتسعين آية) بنسبة (11.04 %) من جملة فواصل القرآن ().

وبناء على هذه الملاحظة نشير إلى أن (حرف الراء) يتميز بنسبة وضوح سمعي كبيرة، هذا الوضوح السمعي جعله يتكرر في فواصل القرآن. كما أن بناء الفاصلة على شكل (الراء الساكنة) لا يتمثل إلا في مواضع (الحث والاستنفار) كما في آيات سورة (المدثر) التي بين أيدينا فهي محققة للمراد من الأمر والنهي للنبي ?، وهو هذا الاستنفار.

هكذا تسهم (أشباه الجمل) في تعضيد سياقات (الفاصلة) في تقاطعاتها مع سياقات " التقديم والتأخير " فيها. كما أن الهدف الأسمى لألوان " التقديم والتأخير " في أشباه الجمل هو الحفاظ على التدفق الإيقاعي، والتشاكل الصوتي للفواصل القرآنية في سياقات (حزب المفصل).

القسم الرابع: ما يختص بالفصل:

لأشباه الجمل دور آخر غير الذي تقوم به بالنسبة للمتعلق به. هذا الدور يتمثل في كونها (فواصل) بمعنى (معترضات) بين ما يكون كالجملة الواحدة. وقد قرر النحويون مواضعاً لا يحسن فيها الفصل، ويقبح. من هذه المواضع التي قرروها ():

1 - الفصل بين الصلة والموصول.

2 - الفصل بين العدد وتمييزه.

3 - الفصل بين الجار والمجرور.

4 - الفصل بين (قد) والفعل بعدها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير