تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والنمط الثالث: تغير المخرج والصفة معاً (): مثل قوله تعالى: ?اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ? () فأصل الفعل (تثاقلتم) فتجاورت التاء الشديدة مع الثاء الرخوة، وهما متقاربتان مخرجاً؛ لأن التاء من طرف اللسان مع أصول الثنايا العليا، والثاء من طرف اللسان مع أطراف الثنايا العليا. وتقليلاً للجهد العضلي تحولت (التاء) إلى (ثاء) فتغيَّر المخرج والصفة معاً، ثم وقع (الإدغام).

والنمط الرابع: الإدغام (): وهو إدخال حرف في حرف بحيث يرتفع بهما اللسان ارتفاعة واحدة. وعرفه ابن جني بأنه " تقريب صوت من صوت " (). والإدغام يلتقي فيه ():

أ – الصوتان المتماثلان: أي المتحدان في المخرج والصفة، مثل (التاءين) و (الراءين).

ب – الصوتان المتجانسان: أي المتفقان في المخرج المختلفان في الصفة، مثل (التاء والطاء).

ج – الصوتان المتقاربان: أي اللذان بينهما تقارب في المخرج أو الصفة أو فيهما معاً، مثل (الدال والسين) أو (الذال والشين). ولهذا كله تفصيل واف مكانه علم التجويد ().

ثانياً: المخالفة الصوتية Dissimilation

يقصد بالمخالفة الصوتية حدوث اختلاف بين الصوتين المتماثلين في الكلمة الواحدة، ويحدث هذا الاختلاف في الكلمة المشتملة على التضعيف بان يتغير أحد الصوتين المضعفين إلى صوت لين طويل أي إلى (واو المد، أو ياء المد، أو ألف المد)، أو إلى أحد الأصوات الشبيهة بأصوات المد وهي الأصوات المسماة بالأصوات (المائعة Liquid ) وهي (اللام، والنون، والميم، والراء) ().

ويرى د. إبراهيم أنيس أن كلاً من المماثلة والمخالفة تهدف إلى تيسير النطق، وأن المخالفة تبدأ عملها من حيث تنتهي المماثلة (). والمخالفة لا تكاد تتم إلا حين يتجاور صوتان من أصوات الإطباق، أو الأصوات الرخوة. أي أنها تحدث بين الحروف التي تحتاج إلى جهد عضلي (). وقد لاحظ القدماء هذه الظاهرة في اللغة، وأشار إليها سيبويه في باب (ما شذَّ فأبدل مكان اللام كراهية التضعيف، وليس بمطرد) (). وأشار إليها ابن جني أيضاً ().

أقسام المخالفة الصوتية:

تنقسم المخالفة من حيث موقع الصوت المتغير قسمين هما ():

الأول: المخالفة التجاورية المتماسة (المتصلة): وذلك عند عدم وجود صوت يفصل بين الصوتين المتخالفين، وذلك في الحروف المشددة.

والثاني: المخالفة التباعدية (المنفصلة): وتحدث في حالة وجود فاصل صامت بين حرفي المخالفة، مثل كلمة (اخضوضر) من (أخضر)، إذ أبدلت الراء الأولى واواً لجواز مثل ذلك ().

ويلحظ أن الأساس الذي تقوم عليه المخالفة الصوتية هو كراهية التضعيف، واستثقال الأداء النطقي، فاختلاف الحروف أخف على اللسان من النطق بها مضعَّفة، وذلك من التيسير اللغوي (). وبتأمل بعض الأمثلة القرآنية تتضح لنا المسارات السياقية لمصطلح المخالفة الصوتية، تنوع تلك المسارات بما يحقق بلاغة الأداء في هذه السياقات.

* فمثلاً قوله تعالى: ? أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ? () نجد كلمة (يملل) حدث فيها تخالف صوتي متصل بفك تضعيف صوت اللام. ولأصل الأول للفعل هو (يُمْلِي) على وزن (يُفْعِل) لكنهم استثقلوا المثلين فقلبوا أحدهما. وتعليل ذلك أن المثلين إذ لم يُدغَم أحدهما في الآخر يستثقلان على اللسان، لأن الرجوع من أحدهما بعد الاستثقال عنه إلى الآخر يسبب صعوبة في النطق. كما أن الماضي من (يُمْلِي) هو (أَمْلَى) على وزن (أَفْعَل) ثم أُبْدِلَت اللام الثانية في (أمَلَّ) ألفاً ليصير الفعل على صورة (أمْلَى) ().

ومن العجيب توظيف القرآن لهذا الفعل أنه وظفه مدغماً وغير مدغم (بفك الإدغام وفقاً لقانون المخالفة الصوتية) في آية واحدة هي قوله تعالى: ?أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ?. فقد جاء الفعل الأول (يُمِلّ) بالإدغام، والفعل الثاني (يُمْلِل) بالإظهار وفك التضعيف. ويرى أبو حيان أن (أَمَلَّ) لغة أهل الحجاز وبني أسد، و (أَمْلَى) لغة تميم. وقيل الأصل: (أمللتُ) أبدل من اللام ياء لأنها أخف ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير