تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* قوله تعالى: ? فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ ? () نلاحظ تماثل الصوت الأول والثالث في الفعل كبكبوا، وهو صوت (الكاف)، وكذلك تماثل الصوت الثاني والرابع في الفعل نفسه وهو صوت الباء. وقد تم إبدال الباء الثالثة إلى (الكاف) للتخالف الصوتي لأن أصل الفعل (تكبَّب)، إذ أن الصوتين المتماثلين يحتاجان إلى جهد عضلي كبير حين النطق بهما في كلمة واحدة، ولهذا تطور الصوت الثالث في الفعل (تكبب) وهو (الباء) بتأثير المخالفة الصوتية من أجل سهولة النطق ويسر الأداء، وتقلي الجهد العضلي المبذول.

ثالثاً: القلب المكاني Metathesis ( )

وهو ظاهرة صوتية تعني " تبادل صوتين لمكانيهما بأن يحل كل منهما محل الآخر" (). وهذا التبادل محله الكلمة المفردة فقط، مثل: القلب المكاني في كلمة (مَسْرَح) ــ قلب مكاني ــ مَرْسَح. وعلى هذا فالقلب المكاني وسيلة من وسائل الأداء الصوتي في اللغة. ويرى مالمبرج أن للقلب نوعان هما ():

الأول: إذا كانت الفونيمات المتبادلة المواقع متصلة سُمِّي القلب بالمتقارِب ( Inversion ) . ويقصد بالتقارب هنا تقارب المخرج الصوتي والصفة معاً.

والثاني: إذا كانت الفونيمات المتبادلة المواقع منفصلة سُمّيَ عندئذ بالمتباعد ( Metathesis ) .

ويمكن تلمس بعض سياقات القلب المكاني في النص القرآني في قوله تعالى: ? فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ? (). ففي هذه الآية قرأ عبد الله بن كثير (آفِدَة) () على القلب. ويرى أبو حيان أنها من (أَفِدَ) بمعنى عجل (). ويرى د. عبد الصبور شاهين أن في لسان العرب من معاني الفعل أيضاَ " أفِدْتُم: أي أبْطَأْتُم (). وعليه فلا قلب في الكلمة " ().

وهذا التأويل على نفي القلب هنا، ومن ثم تمّ تلمس بعض المعاني اللغوية لهذه الصيغة الجديدة (أَفِدَ)، ومن هذه المعاني (العجلة) وهو ما يتسق مع السياق الدلالي لمعنى الآية الكريمة، إذ المراد من دعاء الخليل إبراهيم ? هو أن يستجيب الله له بإرشاد الناس إلى هذا المكان ليأنس بهم زوجه هاجر وابنه الرضيع إسماعيل ? وهو ما يمكن تلمسه من دلالة (أَفِدَ) الدالة على العجلة.

رابعاً: الإتباع ()

يحدث الإتباع في مناطق توافق الحركات وانسجامها، وكذلك أنصاف الحركات، إذ يناط به فضيلة المحافظة على هذا الانسجام الصوتي. ونظراً لأن جهازنا الصوتي يمتلك إمكانية محددة في نطق الكلمات مع الحركات الموجودة على حروفها، فإن العربي استثقلت توالي أربعة متحركات في كلمة ما لعسر ذلك على الأداء النطقي. وقد أدى ذلك إلى قول أحد الباحثين: " إنما تتعاقب الحركات والسواكن طلباً للخفة وجريان موسيقى الأصوات. ولهذا تضحي اللغة ببعض الحركات، حتى لو كانت حركة إعراب – مع معرفتنا بمدى أهميتها – طلباً لخفة التناسب الحركي " (). ولذا تم تصنيف الحركات في العربية على أساس الخفة الصوتية، فالفتحة أخف الحركات تليها الكسرة فالضمة، ومن ثم كان الحديث عن أهمية الانسجام الصوتي بين الحركات الذي يرى د. كريم حسام الدين أنه " تأثير الحركة الأساسية في الكلمات أو المقاطع على الحركة التالية أو السابقة بالمماثلة " (). والتتابع الحركي ينتج عنه خفة ملحوظة، لأنه يقوم على الاقتصاد في الجهد العضلي. يقول د. أحمد مختار عمر: " التغيرات الصوتية الهامة في اللغة ترجع أساساً إلى الميل إلى استعمال الوسائل الفونيمية في اللغة اقتصاداً، وبطريقة سهلة بقدر الإمكان " (). والإتباع كما يرى د. أحمد الفيومي " هو النطق بالحركة على حذو ومثال حركة أخرى في كلمتها أو في كلمة مجاورة، وكذا النطق بها على وجه يناسب ويلائم الحركة قبلها أو بعدها " (). ولذا فإن مناط عمل الإتباع هو تحقيق المناسبة الصوتية.

أضرب الإتباع:

يتمثل الإتباع الحركي في العربية في ضربين هما:

الأول: إتباع حركي تام (كلي): وفيه تماثل الحركةُ الحركة الأخرى، وتصير مثلها تماماً. يقول ابن جني: " قد كثر عنهم الإتباع نحو: (شُدّ) و (ضُرّ) وبابه " (). وهو هنا يتحدث عن إتباع الحركة حركة أخرى، أي قلب الحركة إلى أخرى لتجانسها (صوتياً).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير