تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ويحدد ابن جني نوعاً آخر من الإتباع الكامل وهو الإتباع الناتج عن قلب حركتي (الضمة أو الكسرة) إلى (الفتحة) لتلائم نطق الحرف الحلقي وتناسبه، فهو إتباع الحركة للحرف. يقول ابن جني: " ومن ذلك قولهم: (فَعَلَ يَفْعَلُ) مما عينه أو لامه حرف حلقي نحو: (سَاَلَ يَسْأَلُ، وقَرَأَ يَقْرَأُ، وسَعَرَ يَسْعَرُ، وقَرَعَ يَقْرَعُ، وسَحَلَ يَسْحَلُ، وسَبَحَ يَسْبَحُ). وذلك أنهم ضارعوا بفتحة العين في المضارع جنس الحرف الحلقي لما كان موضعاً منه مخرج الألف التي منها الفتحة " (). والمضارعة التي يعنيها ابن جني تتمثل في أن نطق حروف الحلق يصحبه انفتاح في الفم يسهل عملية انقباض الحلق، والحركة الوحيدة التي تتصف بالانفتاح هي الفتحة، ولذا يتم الإتباع هنا ().

والضرب الثاني: إتباع حركي ناقص (جزئي): ويتمثل في إتباع الحركة الحركة أو الحرف في بعض خواصه النطقية، دون أن تقلب إلى مماثل لها. فالفتحة؛ قصيرة كانت أو طويلة يتم النطق بها قريبة من الكسرة، وذلك إتباعاً للكسرة قبلها أو بعدها. يقول سيبويه: " الألف تُمال إذا كان بعدها حرف مكسور، وذلك قولك: عالِم وعالِم وساجِد ومفاتيح وعذافير وهابيل. وإنما أمالوها للكسرة التي بعدها، أرادوا أن يقربوها منها " (). ويبدو أن هذا النوع من الإتباع الحركي الناقص يشبه تقريرات النحاة وأهل التجويد والقراءات في باب (الإمالة) ().

كذلك يدخل في هذا الضرب من الإتباع الناقص نطق الفتحة القصيرة أو الطويلة قريبة من الضمة، ولك مجانسة لحروف التفخيم، مثلما نجد في قولك: (كتابُ اللهِ)، و (إنَّ كتابَ اللهِ). فاللام في المثالين مفخمة، لكنها في المثال الأول أكثر تفخيماً من المثال الثاني، وسبب ذلك هو انتقال اللسان واختلافه في موضع النطق باللام (). ويُدْرَس هذا الضرب من الإتباع في ثنايا باب التفخيم في النحو العربي، وكتب القراءات القرآنية (). تلك هي أضرب الإتباع كما قررها أهل العربية.

من مظاهر الإتباع في العربية:

تتعدد مظاهر الإتباع الحركي في العربية وتتنوع في هيئات كثيرة يحكمها في ذلك كله تحقيق الانسجام والتناسب الصوتي. ومن أهم مظاهر الإتباع الحركي ما يلي:

المظهر الأول: إتباع حركة همزة الوصل في أمر الثلاثي لحركة (عينه). ويرى أحمد عفيفي أنه من " الغريب أن يكون الثاني متبوعاً والأول تابعاً، والمنطق يؤكد أن العكس هو المشهور " (). ويجب الانتباه هنا لرأي نحاة البصرة في همزة الوصل في أمر الثلاثي الذي يتلخص في أنها مكسورة على الأصل، أو أنها اجْتُلِبَت ساكنة وكُسِرَت لالتقاء الساكنين، أو أنها اجْتُلِبَت متحركة، وكانت أولى الحركات بها الكسرة لأنها أخف من الضمة (). والرأي الأرجح وهو رأي الجمهور أن همزة الوصل مكسورة على الأصل، وأنها اجْتُلِبَت للتوصل إلى النطق بالساكن.

ونتمثل الآن ببعض الأمثلة القرآنية التي يتضح فيها هذا المظهر من الإتباع الحركي مصنفين هذه الأمثلة تبعاً لحركة عين الفعل من (ضم، وكسر، وفتح) كما يلي:

المجموعة الأولى: وفيها يتم إتباع همزة الوصل بضمها تبعاً لحركة عين الفعل المضمومة. وعليها:

- قوله تعالى: ? وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ ? ().

- قوله تعالى: ? اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ ? ().

- قوله تعالى: ? ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ ? ().

المجموعة الثانية: وفيها يتم إتباع همزة الوصل بكسرها تبعاً لحركة عين الفعل المكسورة. مثل:

- قوله تعالى: ? فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء ? ().

- قوله تعالى: ? مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ ? ().

- قوله تعالى: ? فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ? ().

المجموعة الثالثة: وفيها تبقى همزة الوصل مكسورة لأن حركة عين الفعل هي الفتحة. وعليها:

- قوله تعالى: ? فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ? ().

- قوله تعالى: ? اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ? ().

- قوله تعالى: ? اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي ? ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير