نلحظ من خلال هذه الأمثلة القرآنية في المجموعات الثلاث أن الإتباع حدث في المجموعتين الأولى والثانية، ولم يحدث في المجوعة الثالثة.
ففي المجموعة الأولى تم إتباع حركة همزة الوصل في الأفعال (اسْجُدوا، واذْكُروا، وادْخُلوا) بالضم تبعاً لحركة عين الفعل المضمومة في هذه الأفعال، وكان هذا الضم إتباع حركة الأول (همزة الوصل) لحركة الثاني (عين الكلمة). ونلاحظ أن الكسر في همزة الوصل في هذه الأفعال على الأصل قد تحول إلى الضم لثقل الانتقال من الكسر إلى الضم، ولهذا تم التحول للمناسبة الصوتية مع إهمال الحركات الفاصلة (السواكن) بين حركة همزة الوصل وحركة عين الفعل. يقول ابن جني: " ضموا الهمزة لضمة العين، ولم يعتد بالفاء حاجزا لسكونها، فصارت الهمزة لذلك كأنها قبل العين المضمومة، فضُمَّت كراهة الخروج من كسر إلى ضم " (). ويلحظ أن الانتقال من الكسر إلى الضم مستثقل في الأبنية عند العرب، وإن كان التخلص من ذلك يتم بالإتباع الحركي الذي يجلب في هذه الحالة ضمتان لكنهما بتماثلهما يحققان شيئاً من الخفة الصوتية ().
أما المجموعة الثانية فقد بقيت همزة الوصل فيها على الأصل الأول (الكسر) إتباعا لحركة عين الأفعال (اقضِ، وانبِذ، وانفِروا) المكسورة. فالإتباع هنا حادث دون قصد.
والمجموعة الثالثة بقيت همزة الوصل فيها على الأصل الأول وهو (الكسر) مع فتح حركة عين الأفعال (اجعَل، واقرَأ، واذهَب، واشرَح)، وذلك لأن الفتحة على عين الفعل خفيفة بطبيعتها، ولهذا لم يتم الإتباع. ولو حدث الإتباع لالتبس (الأمر) بالخبر كما يرى الأشموني ().
المظهر الثاني: ما يحدث في (ضمير الغائب) من إتباع بالفتح والكسر للمفرد المذكر، والمثنى والجمع بنوعيه. فأضل حركة الضمير (هم) الضم كما يلي: (ــهُ) للمفرد المذكر، و (هُما) للمثنى، و (هُم) لجمع الذكور، و (هُنّ) لجمع الإناث. وهذا ما جعل ابن يعيش يتصور أن ضمير جمع الذكور أصله (هُمو) بإشباع الهاء المضمومة، وأنها تطورت في الاستخدام حتى آل إلى ما هو عليه الآن (). لكن هذه الضمة الأصلية على (الهاء) لا تثبت بل تتغير إتباعاً لما قبلها من حركات مثل (الكسرة الطويلة أو القصيرة) أو (الياء) فتقلب إلى تلك الكسرة. نلمح ذلك في بعض الأمثلة القرآنية كما يلي:
1 - قوله تعالى: ? أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً ? ().
2 - قوله تعالى: ? وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ? ().
3 - قوله تعالى: ? فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ ? ().
4 - قوله تعالى: ? لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ? ().
5 - قوله تعالى: ? فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ ? ().
ونفصل القول في كل مثال مما سبق للوقوف على مظاهر الإتباع الصوتي الحركي الحادث فيه.
* ففي الآية الأولى نجد كلمة (عَذَابُهُ) اتصل ضمير الغائب للمفرد المذكر بكلمة مرفوعة على الفاعلية، وبقيت (الهاء) على حركتها الأصل وهي (الضم) إتباعاً للضمة التي قبلها.
* وفي الآية الثانية نجد كلمة (منْهُ) اتصل ضمير الغائب للمفرد المذكر بحرف جر مبني على السكون، وبقيت (الهاء) على حركتها الأصل وهي (الضم) لسكون ما قبلها، والسكون ليس مماثلاً لثقل الياء، ولذا ليس من سبب يدعو إلى الإتباع في هذه الآية.
* وفي الآية الثالثة نجد كلمة (كتابَهُ) اتصل ضمير الغائب للمفرد المذكر بكلمة منصوبة على المفعولية، وبقيت (الهاء) على حركتها الأصل وهي (الضم) لأن ما قبل الهاء مفتوح، والفتحة أخف الحركات، ولذا لا يلزم هنا إعمال الإتباع لانتفاء الثقل.
* وفي الآية الرابعة نجد كلمة (فيهِ) تم الإتباع فيها، حيث كُسِرَت الهاء إتباعاً لحركة ما قبلها وهي الكسرة الطويلة (ياء المد). وقد تم هذا الإتباع تخلصاً من الثقل بالانتقال من حركة الكسرة الطويلة إلى حركة الضم للهاء على أصلها، وهذا مما يستثقل لذا تم التخلص منه.
* وفي الآية الخامسة نجد كلمة (عليْهِ) تم الإتباع فيها، حيث كُسِرَت الهاء إتباعاً لحركة ما قبلها وهي الياء الساكنة. وقد تم هذا الإتباع مجانسة لهذه الياء وللمناسبة الصوتية.
¥