الأولى: إعادة العنصر المعجمي ( Repetition of Lexical Item ) ويقصد به تكرار الكلمة ذاتها دون تغيير، ولذا يسمى التكرار التام ( Full Repetition ) . وهو عند علماء البلاغة العربية تحت مسمى (التكرير اللفظي) ().
والدرجة الثانية: الترادف أو شبه الترادف ( Synonym or Near Synonym ) ويقصد به تكرا المعنى دون اللفظ. ويكون شبه الترادف حين يتقارب اللفظان تقارباً شديداً لدرجة يصعب معها التفريق بينهما مثل كلمتي (عام) و (سنة) (). وهذا اللون من التكرار يسمى عند البلاغيين العرب باسم (التكرير المعنوي) ().
والدرجة الثالثة: الاسم المشترك ( Super Ordiante ) ويقصد به الاسم الشامل الذي يحمل أساساً مشتركاً بين عدة أسماء ترتكز في سياقاتها جميعاً على هذا الأساس المشترك مثل كلمة (إنسان) التي تحمل أساساً مشتركاً للعديد من الكلمات مثل (رجل، وامرأة، وولد، وبنت، وشيخ ... إلخ) ().
والدرجة الرابعة: الكلمات العامة ( General Words ) ويقصد بها تلك المجموعة من الكلمات التي فيها من العموم والشمول حيزاً أكبر بكثير مما في درجة الاسم المشترك أو الاسم الشامل.
وهذا التقسيم اللساني لعنصر التكرار روعي فيه التدرج التوزيعي، والمنطقة التوليدية تأثراً بنا قدمته المدارس اللسانية السابقة كالتحويلية والتوزيعية والتوليدية، فجاء هذا التقسيم متفرداً عنها، ومنطلقاً في الوقت ذاته من أساساتها المتعددة.
وتأسيساً على التقسيم السابق فإنه يمكننا التعرض للسياق التكراري كقيمة صوتية تنضوي في طياتها العديد من القيم الصوتية البلاغية التي تؤدي الدور الأهم في السياق الدلالي. ولذلك فإنه يمكن تقسيم التكرار إلى لونين هما:
الأول: تكرار اللفظ والمعنى.
والثاني: تكرار اللفظ دون المعنى.
ونفصل القول في كل منهما على حدة.
أولاً: تكرار اللفظ والمعنى
وهذا القسم هو بعينه ما تناوله أهل البلاغة العربية قديماً في ثنايا مؤلفاتهم تحت مسمى (التكرير أو التكرار) (). وقد عولج هذا اللون البديعي عند البلاغيين على أساس أن حده (دلالة اللفظ على المعنى مردداً) كقوله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) () بتكرار كلمة (السابقون) لفظاً ومعنى. وهذا التكرار اللفظي رصد له ابن رشيق تسع وظائف دلالية ترتبط كل منها بغرض شعري معين. وهذه الوظائف تتمثل في (التشويق، والاستعذاب، والتقرير، والتوبيخ، والوعيد والتهديد، والتوجع، والازدراء، والتهكم، والتنقيص). وقد عدَّد ابن رشيق لكلٍ منها مجموعة كبيرة من الشواهد الشعرية المدللة على كل منها (). وما فعله ابن رشيق هو في حقيقته خلاصة ما تعاوره أهل البلاغة في دراسة مسائل التكرير، وذلك بشيء من التفصيل والإيضاح ().
ولا شك في امتلاك ابن الأثير فنية الحس الذوقي عندما تعامل مع مسائل هذا المبحث على المستوى الإفرادي بشيء من الحرفية والإحساس الراقي. يتضح ذلك بصورة جلية من خلال تحليله لقوله تعالى: (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِِ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) () حيث يقول عن تكرار (الرحمن الرحيم): " كرر (الرحمن الرحيم) مرتين، والفائدة في ذلك ـن الأول يتعلق بأمر الدنيا، والثاني يتعلق بأمر الآخرة. فما يتعلق بأمر الدنيا يرجع إلى خلق العالمين في كونه، خلق كلا منهم على أكمل صفة، وأعطاه جميع ما يحتاج إليه حتى البقة والذباب. وقد يرجع إلى غير الخلق كإدراك الأرزاق وغيرها. وأما ما يتعلق بأمر الآخرة فهو إشارة إلى الرحمة الثانية يوم القيامة، الذي هو يوم الدين " ().
وابن الأثير يحلل التكرار في سياق إفرادي خالص، دون أن يتطرق إلى دوره في السياق الكلي للآيات، وما له من وظائف في هذا السياق. و هنا يثور سؤال مفاده: هل للتكرار دور وظيفي في تحقيق السبك السياقي، بعيدا عن وظيفته التقليدية وهي التوكيد؟! والإجابة عم هذا السؤال نتلمسها عند السجلماسي إذ يقول عن تكرار (البناء) وهو ضرب من أضرب التكرار عنده: " هو إعادة اللفظ الواحد بالعدد وعلى الإطلاق المتحد المعنى كذلك مرتين فصاعداً خشية تناسي الأول لطول العهد به في القول. ومن صوره الجزئية قوله عز وجل: (أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ
¥