وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ) () فقوله: (أنكم) الثاني بناء على الأول، وإذكار به خشية تناسيه لطول العهد به في القول " (). وهذا التكرار يسهم في تنشيط ذاكرة المستمع والمتلقي وذلك بإحالة مدلولات اللفظ الثاني إلى محكمات الأول في إطار السياق ذاته.
ويتخذ تكرار اللفظ والمعنى أشكالاً متعددة في هيكل البلاغة العربية، تتحد هذه الأشكال على تباعدها التنظيمي في أداء الوظيفة الصوتية الدلالية، إذ يجمعها هذا الرابط، ويحدد هدفها في هذا الاتجاه. فمن هذه الألوان ما يلي:
1 - الترديد:
ويقصد به أن يأتي الشاعر بلفظة متعلقة بمعنى، ثم يرددها هي بعينها مع تعلقها بمعنى آخر في البيت الشعري نفسه، أو في جزء منه (). وعليه قول زهير ():
مَنْ يَلْقَ يَوْماً عَلَى علاَتِهِ هَرَماً يَلْقَ السَّمَاحَةَ مِنْهُ وَالنَّدَى خُلُقاً
فقد علَّق (يلق) الأولى بلفظة (هرماً) ثم علّقها ثانية بلفظة (السماحة)، فردد اللفظة ذاتها (يلق) مع تعلقها بمعنيين.
ويرى ابن أبي الإصبع أن الترديد هو " أن يعلق المتكلم لفظة من الكلام بمعنى ثم يردها بعينها بمعنى آخر كقوله سبحانه وتعالى: (حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ) () فالجلالة الأولى مضافاً إليها، والثانية مبتدأ بها " ().
وينصب الترديد أحياناً على حروف المعاني إذ يتم تكرارها مرتين أو أكثر كقوله تعالى: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) () فقد تردد حرف الجر (من) في السياق الأول بكاف الخطاب، ثم اتصل الحرف ذاته في السياق الثاني بضمير الغائب للجمع. وهذا الاتصال أسهم دلالياً في تحقيق قيمة التوقع عند المتلقي، إذ يتوقع القارئ أنه عند موالاة الكفار يُصبح (الموالِي) منهم. وهذا التوقع هو الناتج الأسلوبي لقيمة الترديد في سياق هذه الآية ().
والترديد ظاهرة لغوية ذات طبيعة صوتية محضة، ولكنها لا تهمل الجانب الدلالي الذي ينبغي أن تؤديه من خلال علاقاتها التركيبية. وقوام هذه الظاهرة هو التكرار والإعادة. والترديد بهذا الشكل يمثل مظهراً إيقاعياً يلعب فيه ذكر اللفظ ثانية دوراً موسيقياً حراًّ ().
وظائف الترديد:
للترديد ثلاث وظائف متكاملة تتمثل في ():
الأولى: إيقاعية. وأبرز ما يمثلها ترديد اللفظة نفسها في السياق.
والثانية: دلالية. وهي تقوم على ما تؤديه اللفظة المرددة من أدوار نحوية تتبعها أغراض سياقية دلالية أهمها على الإطلاق التوكيد.
والثالثة: شعرية. تقوم على ما تفرزه الألفاظ المترددة من أنماط تركيبية وإخبارية وبيانية متنوعة على مستوى الخطاب، وتحقيق عناصر دلالية مثل المفاجأة، والإثارة اللتين تجلبان اهتمام السامع، وتحقيق سياق التوقع الجمالي لديه.
2 - التعطف:
ويقصد به: أن تذكر اللفظ ثم تكرره والمعنى مختلف (). ولذا فهو شبيه بالترديد لكنه يختلف عنه من وجهين هما:
الأول: أن الترديد يشترط فيه إعادة اللفظة بصيغتها، التعطف لا يشترط فيه ذلك.
والثاني: أن الترديد قد يكون في أحد أقسام البيت؛ في المصراع الأول أو الثاني أو هما معاً، أما التعطف فيشترط فيه أن يتباعد اللفظان بحيث يكون كل منهما في قسم منفصل.
ومن أمثلة التعطف في النص القرآني قوله تعالى: (قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ) (). فالتعطف في الآية ورد في موضعين متعلقين بلفظة (تربصون) التي تعلقت بالجار والمجرور (بنا)، ولفظة (نتربص) التي تعلقت بالجار والمجرور (منكم)، فتم العقد بين كل متربصين تعطفاً.
ويلاحظ ما يسهم به التعطف في سياق المنظومة الصوتية، وما يتبعها من جماليات دلالية وسياقية قوامها (التعلق) الذي هو عين (السبك) في الدراسات النصية والأسلوبية الحديثة.
3 – رد الأعجاز على الصدور:
ولهذا المبحث تصرفات متنوعة في سياق الشعر والنثر، ولذا فإنه يتنوع في أداء وظائفه الجمالية تبعاً لتنوع هذه السياقات.
¥