ويقصد به في السياق النثري: أن يجعل أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما في أول الفقرة، والآخر في آخرها. وعليه يخرج قوله تعالى: (وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ) () ويقصد به في السياق الشعري: أن يكون أحد اللفظين في آخر البيت والآخر في صدر المصراع الأول، أو في حشوه، أو في آخره، أو في صدر المصراع الثاني. ومثال ذلك قول الأقيشر الأسدي ():
سَرِيعُ إلَى ابْنِ الْعَمِّ يَشْتُمُ عِرْضَهُ وَلَيْسَ إلَى دَاعِي النَّدَى بِسَرِيع ِ
فقد وافق الجزء الأخير من البيت (بسريع) الجزء الواقع في فاتحة البيت وصدره.
ويسمي بعض أهل البلاغة هذا اللون باسم (التصدير) ()، وإن كان أغلبهم على تسميته بـ (رد الأعجاز على الصدور) خصوصاً المتأخرين منهم ().
أقسام رد الأعجاز على الصدور:
لهذا اللون أقسام عديدة تصل إلى ستة عشر فرعاً، وذلك بحسب موقع اللفظة الأولى (الصدر) لأنها الدالة المتحركة بحرية بخلاف الثانية (العجز) الثابتة دوماً في نهاية البيت.
وهذه الأقسام العديدة ناتجة عن عملية حسابية تعدت الأصل فصارت على هذا التزيد. فنحن لدينا أربعة أشكال من الألفاظ التي يقع فيها هذا اللون، وهذه الأشكال هي (المكرران، والمتجانسان، والملحقان بالمتجانسين اشتقاقاً، والملحقان بالمتجانسين بشبه الاشتقاق). كذلك لدينا أربعة مواقع للفظ الأول (الصدر) وذلك لثبات الموقع للفظ الثاني (العجز). وهذه المواقع هي:
- أول المصراع الأول.
- حشو المصراع الأول.
- آخر المصراع الأول.
- أول المصراع الثاني.
وعليه يكون مجموع ما لدينا من أضرب وأقسام لهذا اللون هو الناتج من حاصل ضرب الأشكال الأربعة في المواقع الأربعة. وما يهمنا من هذه الأضرب هو ما ورد من توظيف في سياق النص القرآني، وبيان هذه الأنماط كما يلي:
النمط الأول: أن يكون أحد اللفظين المكررين - وهما المتفقان لفظاً ومعنى – في سياق الآية القرآنية، في بداية الآية، أو ما يشبه بدايتها. وعليه قوله تعالى: (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) (). فقد بدأت الآية بكلمة (استهزئ)، وختمت بكلمة (يستهزئون). واللفظان متفقان لفظاً ومعنى، فهما مكرران.
والنمط الثاني: أن يكون اللفظان متجانسان، أي متشابهان في اللفظ دون المعنى. ونظراً لإمكانية خلط هذا النمط بمبحث (الجناس التام) الذي تتفق صورته ويختلف معناه، فإنه يجب إيضاح الفارق بين اللونين. فمثلاً قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) () هناك تجانس تام بين لفظي (الساعة) أي: يوم القيامة و (ساعة) أي: مدة زمنية معينة. وهذا التجانس قائم بصورة أساسية على التماثل الحادث في المستوى الشكلي (البصري)، أي على مستوى (البنية السطحية Surfuce Structure ) ، لكنهما تختلفان بالطبع على مستوى (البنية العميقة Deep Structure ) ، وهذا هو عين تعريف الجناس التام. لكن المفارقة هنا بين الجناس التام وهذا النمط من رد الأعجاز على الصدور تكمن في أن هذا النمط من رد الأعجاز يستلزم التجانس وليس التماثل الكامل (التكرار التام)، وهذا ما لا يتحقق سوى في (الجناس التام) فقط.
ومن أمثلة البلاغيين لهذا النمط من رد الأعجاز قولهم (): (سَائِل اللئيم يرجع ودمعه سَائِل) ومعناه: أن طالب المعروف من الرجل اللئيم يرجع ودمع هذا اللئيم سائل، وهذا أبلغ في الذم لهذا الشخص. فكلمة (سائل) في أول الفقرة وآخرها متجانستان لأن الأولى من (السؤال) والثانية من (السيلان) ().
والنمط الثالث: أن يكون اللفظان ملحقين بالمتجانسين عن طريق الاشتقاق، أي أنهما يشتركان في الأصل اللغوي دون النظر إلى الصورة الشكلية التي وردا عليها. وعليه يخرج قوله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) (). فكلمتا (استغفروا) و (غفاراً) بينهما اشتراك في أصل المادة اللغوية (غفر)، وكذلك بينهما شبه تجانس بالاشتقاق.
¥