وكذلك يخرج على هذا النمط قوله تعالى: (وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) () فكلمتا (هب) فعل أمر من وهب، و (الوهاب) صيغة مبالغة من المادة نفسها، وبينهما اشتراك في أصل المادة اللغوية (وهب)، وكذلك بينهما شبه تجانس بالاشتقاق.
والنمط الرابع: أن يكون اللفظان ملحقين بالمتجانسين عن طريق شبه الاشتقاق، أو الصورة المشبهة للاشتقاق شكلاً. وعليه يخرج قوله تعالى: (قَالَ إِنِّي لِعَمَلِكُم مِّنَ الْقَالِينَ) () فبين كلمة (قال) فعل ماض من (قَوَلَ)، وكلمة (القالين) اسم فاعل للجمع من (قَلَى) أي بغض وكره، تجانس عن طريق شبه الاشتقاق بصورة شكلية، أي على المستوى البصري.
وكذلك يخرج على هذا النمط قوله تعالى: (فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) () فبين كلمة (الظلمات) من (الظُلْمَة)، وكلمة (الظالمين) اسم فاعل للجمع من (ظَلَمَ)، تجانس عن طريق شبه الاشتقاق بصورة شكلية، أي على المستوى البصري.
وكذلك يخرج على هذا النمط قوله تعالى: (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاء عَرِيضٍ) () فبين كلمة (أعْرَضَ) من (الإعراض)، وكلمة (عريض) صيغة مبالغة للكثرة، تجانس عن طريق شبه الاشتقاق بصورة شكلية، أي على المستوى البصري.
ويرى د. محمد عبد المطلب أن التكرارية ملحوظة في هذا اللون على المستوى الشكلي، كما أنها ملحوظة على مستوى البنية العميقة عندما تتوارد لفظتان بمعنى واحد أو بمعنيين مختلفين، ولكن طبيعة البعد المكاني للفظتين هو الذي نقل هذا اللون من بنية التكرار إلى هذا السياق، فكأن التكرار هنا لابد من أن يتوفر فيه ذهنياً مسافة في الدلالة تسمح للفظة أن تستقر محققة نوعاً من اكتمال المعنى أو تحقيقه ().
تلك هي أهم أنواع هذا اللون البديعي الموظف صوتياً في السياق الدلالي للكثير من النصوص الشعرية والنثرية.
4 – تشابه الأطراف:
ويقصد به: أن يُختم الكلام بما يناسب أول في المعنى (). ويرى ابن أبي الإصبع أن هذا اللون يُسمى (التسبيغ) ومعناه " أن يعيد لفظ القافية في أول البيت الذي يليها، والتسبيغ زيادة في القول " (). وقد خرج أبن أبي الإصبع على هذا اللون قوله تعالى: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ) (). فقد تشابهت أطراف الجمل القرآنية بتكرار ختام كل جملة في بداية الجملة التالية كما يلي:
- كمشكاة فيها مصباح.
- المصباح في زجاجة.
- الزجاجة كأنها كوكب دريّ.
إذ تبادلت لفظتا (مصباح) و (زجاجة) أدوارهما من كونهما ختام الجمل القرآنية، إلى الابتداء بهما في سياق الجملة التالية. ويرى د. محمد عبد المطلب أن تشابه الأطراف " يقدم بنية تكرارية تعتمد على إعادة الشاعر لفظ القافية في أول البيت التالي لها، أو أن يعيد الناثر القرينة الأولى في أول القرينة التي تليها. فالتكرارية هنا ملحوظ فيها البعد المكاني في تجاوز الدالين، برغم تمايز التراكيب التي تضم كلا منهما من حيث الختام والابتداء " ().
وواضح أن هذا اللون التكراري يعتمد في أداء وظيفته على المفاجأة الأسلوبية واختراق توقع القارئ الذي يتوقع اختلاف البداية للبيت التالي، فيجد نفسه مع ختام السابق مع بداية التالي من خلال الابتداء بهذا السابق، فينتقل أفق توقعاته إلى مدار أسلوبي أرقى وأفسح على المستوى الدلالي والنصي ().
5 - المجاورة ():
وهذا اللون البديعي من مبتدعات العسكري الذي يرى في تعريفه أنه " تردد لفظين في البيت ووقوع كل واحد منهما بجنب الأخرى أو قريباً منها من غير أن يكون أحدهما لغواً لا يحتاج إليها " (). وقد خرج العسكري على هذا اللون قول علقمة الفحل ():
وَمُطْعِمُ الْغُنْمِ يَوْمَ الْغُنْمِ مُطْعِمه أَنَّى تَوَجَّهَ والْمَحْرُومُ مَحْرُوم
فقوله: (الغنم يوم الغنم) مجاورة، وكذلك قوله: (المحروم محروم).
¥