تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا المنهج أصوب من المنهج الأول بالالتفات إلى جميع السياق وجميع الجملة، لأننا إذا وضعنا اللفظ مفردا لم نأخذ منه معنى وحده، ولأن العرب لا يتكلمون باللفظ المفرد الذي ليس معه ألفاظ أخر، سواء كانت هذه الألفاظ مظهرات أو مضمرات، فلا يقولون أسد ويسكتون إلا بتقدير كأن يقولوا: هذا أسد أو نحوه، فحينئذ الصواب أننا ينبغي أن ننظر إلى جميع السياق ولا ننظر إلى اللفظ المفرد، ويدل على ذلك أن السياق يختلف به المعنى، والسياق يترتب عليه العديد من الأحكام.

ويمثلون لتأثير السياق على أخذ الحكم من الألفاظ بما ورد عن الإمام الشافعي والإمام أحمد رحمهما الله أن الإمام أحمد قال: لا يجوز للإنسان أن يبتلع القيء الخارج منه، واستدل على ذلك أن الإمام أحمد رأى أنه لا يجوز للإنسان أن يرجع في هبته، واستدل عليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه فقال الإمام الشافعي الكلب لا يحرم عليه العود في قيئه فكذلك العائد في هبته، فقال له الإمام أحمد في بقية الحديث: ليس لنا مثل السوء فدل ذلك على أننا لا نماثل مثل هذه المخلوقات في هذا الفعل، فكذلك لا نفعل الفعل المشبه به، فهنا التفت الإمام إلى دلالة السياق ليس لنا مثل السوء

قال المؤلف: هنا (نفي المجاز) تقدم معنى أن المجاز هو استعمال اللفظ في غير ما وُضِعَ له أولا، ونفيه - يعني نفي القول بإثبات المجاز- فلا يوجد في لغة العرب مجاز، وقد يراد به نفي وجود المجاز في القرآن، قال المؤلف (صرح) المراد بكلمة صرح يعني تكلموا بذلك بلا احتمال، فالصريح من الألفاظ هو الذي لا يوجد معه احتمال يدل على خلاف ذلك التصريح، (صرح بنفيه) يعني ينفي وجود المجاز في لغة العرب (المحققون) وتقدم أن ممن صرح بذلك أبو علي الفارسي وأبو إسحاق الإسفراييني، وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم.

وقوله (المحققون) يريد به المؤلف مَن حقق المسائل، ورجَّح بين الأقوال باستيعاب أدلة هذه المسائل والنظر في المناقشات والأجوبة الواردة عليها، فعرف الراجح من خلال ذلك، قال: (ولم يُحفظ) يعني لم يُنقل (عن أحد من الأئمة) يعني في العصور الفاضلة مثل الأئمة الأربعة ومن وافقهم في زمانهم كالثوري وإسحاق أو من تقدمهم كالزهري والسفيانين وغيرهم من الأئمة (القول به) يعني إثبات وجود المجاز في لغة العرب أو في القرآن، فلم يُعهد عن أحد من هؤلاء الأئمة أنه قسم اللغة إلى حقيقة ومجاز وهذا كما هو منفي عن أئمة علماء الشرع كذلك هو منفي عن أئمة علماء اللغة، فلا نجد مثل ذلك في كلام الأصمعي ولا كلام الخليل بن أحمد ولا كلام سيبويه.

قال: (وإنما حدث تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز) يعني إنما وجد هذا التقسيم بعد أن لم يكن موجودا (إلى حقيقة ومجاز بعد القرون المفضلة) يعني بعد العصور والقرون الثلاثة التي وردت النصوص بأنها خير الأمة وأنها أفضل هذه الأمة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

قال: (فتذرع به المعتزلة والجهمية إلى الإلحاد في الصفات) تذرع به يعني جعله المعتزلة والجهمية وسيلة إلى مقصودهم في الإلحاد في الصفات، فذريعةُ الشيء وسيلتُهُ التي يُتوصل إليه من خلالها، والمعتزلة: تقدم أن المراد بهم من اعتزلوا في الأصل مجلس الحسن البصري، وهم يبنون مذهبهم على أصول خمسة: كالتوحيد ويراد به نفي الصفات. والعدل ويراد به نفي القدر. والقول بالمنزلة بين المنزلتين والمراد بذلك أن صاحب الكبيرة في الدنيا ليس مؤمنا ولا كافرا، وإنما هو في منزلة بين المنزلتين وهو في الآخرة مخلد في نار جهنم، وهكذا إلى بقية أصولهم.

والجهمية أتباع جهم بن صفوان، وليُعلَم بأن النسبة إلى أهل هذه البدع يكون باعتماد المنهج الذي يسيرون عليه، فمن كان محكما للنصوص الشرعية في أبواب العقائد والصفات فإنه يكون من أهل السنة والجماعة، فلو قدر أنه خفي عليه نص من نصوص الصفات فلم يثبت الصفة لكونه قد خفي عليه ذلك النص فإننا حينئذ لا نجعله ممن خرج على مذهب أهل السنة والجماعة، ومثال ذلك ابن خزيمة فإنه لما جاء في حديث الصورة نهج منهجا مخالفا لأهل السنة، لكن ابن خزيمة سائر على منهج علماء الإسلام من تحكيم نصوص الوحيين: الكتاب والسنة في مباحث العقائد والصفات. فكونه لم يصل إليه ذلك اللفظ بطريق صحيح حسبما

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير