تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

2 - في سورة قريش يقول تعالى: (لإِيلاَفِ قُرَيْشٍ {1} إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ {2} فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ {3} الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ {4}). المعنى هنا مختلف وكذلك الجو، كلاهما يشعر بالمودة والحنان والعطف، ويتشكل الإيقاع منسجماً ومتسقاً مع ذلك، ومع طول الرحلتين زماناً بين الشتاء والصيف، ومكاناً من الجنوب إلى الشمال فيجيء هادئاً رخياً منبسطاً ممتداً كله أمان وسلام وطمأنينة للنفس البشرية ولنفوس قريش في رحلتيها الآمنتين الرابحتين اللتين صارتا لهما عادة وألفاً.

-3في سورة التكاثر يقول تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلاَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلاَ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}). تصور السورة الحياة وكأنها ومضة خاطفة في شريط طويل، برهة عابرة، هكذا (ألهاكم التكاثر) في الدنيا حتى دفنتم في المقابر، وعبر عن الموت بالزيارة لأن الإقامة فيها هي الأخرى مهما امتدت (قصيرة)، وتنتهي ومضة الحياة وتنطوي صفحتها الصغيرة كما تنتهي وتنطوي ومضة الموت وصفحتها، ويمتد بعد ذلك الزمان وتمتد الأثقال.

ويقوم الإيقاع بهذا الإيحاء يحمل المعنى ويتسق معه، فهو يبدأ سريعاً صاعداً إلى بعيد، وينتهي رصيناً ذاهباً إلى القرار العميق، إيقاع يقرع قرعات متوالية، يقرع القلوب ثلاث مرات في كل سلم صعوداً وهبوطاً زاجراً في الأولى ومؤكداً في الثانية، إيقاع أشبه ما يكون بصوت النذير يقوم على شرف عال ماداً صوته، مدوياً بنبرته، يصيح بنوم غافلين سادرين أشرفوا على الهاوية عيونهم مغمضة وحسهم مسحور.

- 4 في سورة النجم وآياتها اثنتان وستون يتوحد الوزن – على غير نظام الشعر- مع الإيقاع والفواصل من بداية السورة حتى قبيل نهايتها، مع أنها تحمل موضوعات عدة، وتطرق أفكاراً مختلفة مثل قصة العروج إلى السماء، وملامح الجاهلية، وعبادة الأوثان، ومشكلة التوحيد والإيمان بالملائكة وحكاية الخلق ... إلخ. صحيح أننا نلحظ فروقاً دقيقة – رغم الفاصلة الواحدة – تتلامح في سرعة الإيقاع وبطئه، إلا أن نوع الإيقاع لا يتغير وإن تغيرت شدته أو درجته. وقد تراوح طول الآية بين ثلاث كلمات في قوله تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى) () إلى أكثر من عشرين في قوله تعالى: (إِنْ هِيَ إِلاَ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى) (). بيد أن أسلوب الأداء الموسيقي واحد في السورة جميعاً، فهو متوسط الزمن، مسترسل الروي حتى كأنه حديث يتلى، أو قصة تحكى.

-5وإذا كان الإيقاع قد توحد في السورة السابقة رغم طولها النسبي وتعدد معانيها، فإنه يتلون ويتغير في سورة أخرى أقصر منها كسورة النبأ، ونكتفي منها بهذه الآيات.

تبدأ السورة بقوله تعالى: (عَمَّ يَتَسَاءلُونَ {1} عَنِ النبأ الْعَظِيمِ {2} الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ {3} كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {4} ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ {5}).

وتختم النهاية بقوله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً {38} ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً {39} إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً {40}).

الفرق بين الإيقاعين لا يحتاج إلى مصطلحات فهو في الأولى دقات زاجرة، وطرقات عنيفة، وهذا ينسجم مع جو متحرك شديد الارتجال جو النبأ العظيم، وهو في الثانية جو هادئ ينسجم مع جو التأمل، جو المستقبل الذي يتطلب تملياً وتفكيراً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير