تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

6 - تحمل سور (التكوير، والانفطار، والانشقاق) على الأقل في بداياتها معاني واحدة، فهي تتحدث عن مشاهد الانقلاب الكونية يوم القيامة، وتقدم هذه المعاني أو المشاهد بثلاث إيقاعات مختلفة رغم توحد حرف الروي في فواصل آيات تلك السور على الشكل التالي:

* في سورة التكوير يقول تعالى: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ {1} وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ {2} وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ {3} وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ {4} وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ {5} وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ {6} وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ {7} وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ {8} بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ {9} وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ {10} وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ {11} وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ {12} وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ {13} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ {14}).

* في سورة الانفطار يقول تعالى: (إذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ {1} وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَتْ {2} وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ {3} وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ {4} عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ {5}).

* في سورة الانشقاق يقول تعالى: (إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ {1} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ {2} وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ {3} وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ {4} وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ {5}).

الإيقاع الأول عاصف سريع متلاحق يختصر المسافات، ويطوي الأمكنة ويلفها، إنه حركة جائحة تنطلق من عقالها فتقلب كل شيء وتذهب بكل مألوف، وتهز النفس البشرية هزاً عنيفاً. والثاني متوسط الحركة لا يملك عنف العاصفة ولا لطف النسيم، إنه بين بين، هو أقرب إلى الانفطار بلفظة الواني منه إلى التكوير بجرسه الشديد الحاد. والثالث هادئ رخي عميق ينساب في دعة وخفوت واستسلام.

وقد تلونت الإيقاعات الثلاثة بلون الإطار أو الجو العام لكل سورة، فجو سورة التكوير التقريع الشديد والتهديد، ومما يناسب هذا الجو أن يكون الإيقاع عنيفاً، عاصفة مدمرة جارفة. وجو سورة الانفطار العتاب واللوم المبطن بالوعيد، ويتفق مع هذا الجو أن يكون الإيقاع أهدأ وأعمق وأرفق. وجو سورة الانشقاق الخضوع لله، ويتناغم مع هذا الجو أن يكون الإيقاع هو الآخر خاشعاً يسير في طواعية ويسر وإشفاق. وهذا وغيره أنواع من الإيقاع متعددة ومتغيرة، لا يضاهي تنوعها سوى وفرتها.

* التوقع:

التوقع أو الترقب مصطلح شعري كما هو مصطلح موسيقي، لأن الأداء هنا وهناك يقوم على افتراض أن السامع يتوقع بعد وقت معين إشارة إيقاعية في الوزن، ولذلك يقال أن الزمن في الموسيقى وفي الشعر زمن توقع. وتحديد التوقع يزداد كلما اتجه الكلام نحو الوزن أو الشعر بحيث يكاد يصبح التحديد في بعض الحالات التي تستعمل فيها القافية كاملاً، بل أكثر من ذلك أن وجود فترات زمنية منتظمة في الوزن أو في الإيقاع يمكننا من تحديد الوقت الذي سيحدث فيه ما نتوقع. وفي الإيقاع ينبغي ألا نتصور التوقع على أنه في الكلمات ذاتها، وإنما في الاستجابة التي نقوم بها لتلك الكلمات، وهكذا حين نستمع إلى بنغمة من النغمات نحاول أن نتوقع ورود النغمة التالية، وتستريح أنفسنا إلى ذلك، وهو أمر طبيعي. إلا أننا لا نكاد نسمع النغمة الثانية حتى نشعر بما يشبه الشوق أو الحنين إلى عودة النغمة الأولى، وقد لا يشبع الإيقاع هذا الحنين مباشرة فيأتينا بنغمة متوسطة تثير في أنفسنا مرة ثانية أو ثالثة إحساساً جديداً بالترقب، وعلى طريق هذا الجذب، الشوق أو التوتر تثار في أنفسنا ألوان شتى من الانفعالات ().

وتتبدى هذه الظاهرة الإيقاعية في القرآن بشكليها؛ شكل الفاصلة وشكل النغمة. فالأولى يترقبها القارئ لا سيما في الآيات الطوال ويفتش عنها ويحن إليها لأنها تلبي لديه إحساساً دفيناً بالراحة، أو تحدث تأثيراً نفسياً بتحقق النشوة. والثانية: النغمة يمكن تبينها في غير سورة كالمدثر والنازعات والانشقاق والبروج والفجر وسواها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير