تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا في جانب القرآن الكريم؟ يقول الراغب: " الفرق بين الإنزال والتنزيل في وصف القرآن والملائكة، أن التنزيل يختص بالموضع الذي يشير إليه إنزاله مفرقاً، ومرة بعد أخرى. والإنزال عام " ().

وعلى هذا فإن معنى التدرّج والتكرار في الإنزال مما يستفاد من التعبير بصيغة (نَزَّلَ)، لأنها تقتضي الإنزال (مرة بعد أخرى). وعلى هذا فإن معنى المبالغة، ومعنى التكرار والتدرج في الإنزال هما سمة مميزة لهذه الصيغة. يقول ابن الزبير: " إن لفظ (نَزَّلَ) يقتضي التكرار لأجل التضعيف " ().

وبهذا فإن صيغة (نَزَّلَ) يصير لها أربع دلالات تتمثل في: (المبالغة، والتكثير، والتدرج، والتكرار). وذلك بخلاف صيغة (أَنْزَلَ) التي تقف حدودها الدلالية عند عمومية الإنزال وشموليته. ولعلنا ندرك هنا أن التبادل الموقعي لهاتين الصيغتين إنما تحدده المقامات السياقية التي تتطلب مثل هذا التوظيف أو ذاك. وأليس من المناسب أيضاً أن ندرك أن قوله تعالى: ? إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ? () على أن الإنزال الذي تم فيها للقرآن الكريم دفعة واحدة إلى السماء الدنيا في بيت العزة من اللوح المحفوظ، ولا يناسب التعبير هنا إلا صيغة (أَنْزَلَ) بخلاف صيغة (نَزَّلَ) التي تقتضي المبالغة، وهذا ما لا يتناسب مع المعنى هنا.

كذلك أليس من المناسب تماماً ما ذكره القرآن الكريم عن إنزال الحديد إلى الأرض بصيغة (أَنْزَلَ) لأن هذا في حقيقة الأمر تم دفعة واحدة في مرحلة الخلق كما في قوله تعالى: ? لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ ? (). يقول د. عبد المجيد الزنداني: " التعبير هنا بكلمة (أَنْزَلَ) دقيق يتسق مع معطيات العلم الحديث التي تؤكد استحالة تكون معدن الحديد على سطح الكرة الأرضية، ذلك لأن اندماج ذرتين من هذا العنصر يتطلب فوق (3 ثلاثة ملايين درجة حرارة مئوية) فقط لاندماج ذرتين منه، فكيف بهذه الكميات الهائلة التي تشغل باطن الكرة الأرضية؟! وليس على سطح الكرة الأرضية أي وجود لمثل هذه الطاقة الهائلة والمطلوبة لمثل هذه الاندماجات. لذا لا بد من الإقرار بأن هذا العنصر لم يتكون على سطح الأرض، بل هو مُنْزَل إليها " ().

هكذا تدور الصيغ في فلك سياقات جمالية مستقاة من تلك العلاقات والوشائج القرآنية بما يحيط بها من تقاطعات تتعلق بوجوب إدراك الصورة القرآنية في إطارها الكلي لا الجزئي حتى لا تتشتت الرؤية في إطار التفصيلات الجزئية.

ثانياً: تغاير صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد

تتنوع صيغ المشتقات ذات الأصل الاشتقاقي الواحد في سياقات القرآن الكريم بما يعضد دلالاتها الجمالية، ويثري جوانبها التوظيفية، مع الحفاظ على اللمحات الإعجازية لهذا التوظيف في آيات النص الكريم. كما أن الموجه للدلالة في هذه السياقات إنما هو الآية التي ترد فيها هذه الصيغ، بالإضافة إلى السياق العام للسورة. وكل ذلك يتم في إطار اتساق تام ومتكامل مع فنيات الانتقاء والاختيار لهذه الصيغ كما تم على أدق ولأتم هيئة. ولذا فإننا هنا نحاول الوقوف على بعض هذه التنويعات في الصيغ الاشتقاقية لتبيان ما تحويه من دلالات، وما تهدفه من مقاصد جمالية.

* فمن ذلك توظيف القرآن لصيغة اسم الفاعل (شَاكِر) في قوله تعالى: ? إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? ()، وتوظيفه لصيغة المبالغة (شَكُور) في قوله تعالى: ? ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً ? ()، والصيغتان من أصل اشتقاقي واحد هو مادة (شَكَرَ). وقد ورد اسم الفاعل من هذه الصيغة في القرآن الكريم في (13 ثلاثة عشر موضعاً) ()، في حين وردت صيغة المبلغة من هذا الفعل في (10 عشرة مواضع) (). ومن هذه المواضع التعبيرية في القرآن موضعان:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير