يقول د. فاضل السامرائي: " استعمل الفعل مع الحي فقال (يُخْرِج)، واستعمل الاسم مع الميّت فقال (مُخْرِج)، وذلك لأن أبرز صفات الحيّ الحركة والتجدد، فجاء معه بالصيغة الفعلية الدالة على الحركة والتجدد. ولأن الميّت في حالة همود وسكون وثبات جاء معه الصيغة الاسمية الدالة على الثبات " ().
فاقتضاء التوازي الإيقاعي في الآية يوجب أن يكون شكل الجمل - في غير القرآن - كما يلي:
يُخْرِجُ الحيّ من الميّت ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يُخْرِجُ الميّت من الحيّ
فكُسِرَ هذا النسق التعبيري إرادة للدلالات المبتغاة من التعبير بالفعل في حالة الإيجاد الحياتي لاستلزام ذلك الحركة، وتجدد الفعل والحدث دلالة على قدرة الخالق. واستلزم التعبير بالاسم من الصيغة ذاتها حين وصف عملية الإفناء، للتأكيد على ثبوت هذا المعنى في حقه سبحانه وتعالى وحده.
غير أننا نجد في القرآن الكريم ما يستوي فيه الطرفان في التعبير بالفعلية مثلما نجد في:
* قوله تعالى: ? تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب ? ().
* وقوله تعالى: ? قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ ? ().
* وقوله تعالى: ? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ? ().
فلمَ عدل في هذه الآيات عن التعبير بالاسمية، واعتمد التعبير بالفعلية في صيغة الفعل (خَرَجَ) في الطرفين بخلاف آية سورة الأنعام؟ والإجابة عن هذا العدول نجد ظلالها عن الإمام الأنصاري إذ يقول: " قوله ? يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ? () قال ذلك هنا، وقال في آل عمران ويونس والروم ? وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ ? بالفعل لأن ما هنا وقع بعد اسم فاعل وهو (فالق). وقيل اسمي فاعل هما (فالق) و (جاعل)، فناسب ذكر (مُخْرِج) لكونه اسم فاعل، وخُصّ بالاسم لتكرار الاسمين بعده، وخص (يُخْرِج الحيّ) قبله بالفعل إذ لم يتقدمه إلا اسم واحد. وما في بقية السور لم يقع قبله إلا أفعال فناسب ذكره بالفعل " ().
فما ورد في سورة آل عمران من التعبير بالاسم (مُخْرِج) لأنه وقع بين اسمي فاعل هما (فالق الحبَّ) و (فالق الإصباح)، واسم الفاعل يشبه الاسم من وجهٍ؛ فيدخله الألف واللام والتنوين والجار. ويشبه الفعل من وجهٍ، فيعمل عمل الفعل، ولهذا جاز العطف عليه بالاسم، وجاز العطف عليه بالفعل. وعلى ضوء قاعدة العمل بالشبيهين بالنسبة لاسم الفاعل، ناسب بذكر الاسم ما قبله من أسماء، وناسب بذكر الفعل ما قبله وبعده من أفعال ().
وهكذا يكون تفسير هذا العدول الجمالي من الفعلية إلى الاسمية، في سياق الآيات القرآنية متصلاً بالسياقات القبلية والبعدية لهذه الآيات.
* ومنه قوله تعالى: ? وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ وَمَا أَنتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُم بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ? (). فعدل عن التعبير بالفعلية في جانب المصطفى ? إلى التعبير بالاسم بقوله (تابع) بدلاً من بالفعل (تبعت)، فلمَ تمّ هذا العدول؟
¥