تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقد تم حذف التاء الأولى في الأفعال (تصدّى، وتلهّى، وتنزّل، وتحاضّون). وأصل البناء في هذه الأفعال على الصورة التالية: (تتصدّى، وتتلهّى، وتتنزّل، وتتحاضون). يقول د. رمضان عبد التواب: " فالكثير في العربية الاكتفاء بتاء واحدة، وفي القرآن أمثلة كثيرة لذلك، ففيه مثلاً (تَذَكّرون) سبع عشرة مرة بالحذف، في مقابل (تتذكّرُون) ثلاث مرات بلا حذف " ().

وكلمة (تتَذكَّرُون) مثلاً مكونة من المقاطع التالية:

1 - تَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).

2 - تَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).

3 - ذَكْ: مقطع قصير مغلق من النوع الثالث (صامت + حركة قصيرة + صامت).

4 - كَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).

5 - رو: مقطع قصير مفتوح من النوع الثاني (صامت + حركة طويلة).

6 - نَ: مقطع قصير مفتوح من النوع الأول (صامت + حركة قصيرة).

7 - رونْ: في حالة الوقف، مقطع مغرق في الطول، مغلق من النوع الرابع (صامت+حركة طويلة+صامت).

وحين النطق بهذه الكلمة بحذف التاء يتغيّر عدد مقاطعها من خمسة أو ستة مقاطع إلى أربعة أو خمسة فقط ().

وقد أشار برجشتراسر عند حديثه عن ظاهرة الترخيم إلى أن " من الترخيم ما هو جنس من التخالف، وهو حذف أحد مقطعين متتاليين أولهما حرفان مثلان أو شبهان، نحو تذكرون بدلاً من تتذكرون، وأمثال ذلك في القرآن عديدة " (). فالمقطع المحذوف في هذه الكلمة مقطع مورفيمي تصريفي يتمثل في التاء المفتوحة سواء كانت تاء المضارعة أم تاء المطاوعة في الماضي. وقد أشار ابن جني لهذه الظاهرة بقوله: " يكره اجتماع المثلين زائدين، فيحذف الثاني منهما طلباً للخفة بذلك " ().

والملاحظ أن التاءين في الأفعال (تصدّى، وتلهّى، وتنزّل، وتحاضّون) زائدتان، والحذف فيهما جائز لا واجب. يقول سيبويه: " أنت بالخيار، إن شئت أثبتهما، وإن شئت حذفت إحداهما " ().

وهذا ما جاء ممثلاً بدقة في التوظيف القرآني لهذه الصيغ من الأفعال، إذ وظفها القرآن كاملة في مواضع، ومحذوفة التاء في مواضع أخرى. فمن ذلك قوله تعالى: ? وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ? () بإثبات التاءين في الفعل (تتبدّلوا). وتوظيف الفعل ذاته بحذف إحدى التاءين في قوله تعالى: ? لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلَا أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ ? ().

فالآية الأولى ورد فيها الفعل (تتبدلوا) على صورته الكاملة بلا حذف في إطار خطاب المولى عز وجل للمؤمنين بأن يعطوا اليتامى أموالهم كاملة بلا نقصان، فناسب الأمر شكل الأداء، فورد الفعل على الصورة الكاملة دلالة على الاتساق مع الأمر المندوب هنا.

والآية الثانية ورد الفعل (تبدّلوا) على صورته المحذوفة، وهي في خطاب النبي ? بشأن زواجه من النساء، وكيف أن الله ? قد كفاه بما عنده من زوجات. فجاء الفعل هنا مناسب لهذا الأمر من حيث عدم التزيد في الزواج، وقصره على ما تحته من الزوجات. فاقتصر من الفعل أيضاً مناسبة لهذا السياق.

وهكذا ارتبط الحذف أو عدمه بالدلالة السياقية للآية كلها في ضوء ما تم من حذف في سياق الكلمة.

* ومن ذلك أيضاً ورود الفعل (تنزّل) محذوف التاء في قوله تعالى: ? هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ? (). ووروده بصورته الكاملة في قوله تعالى: ? إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ ? ().

والسياق في آيتي سورة الشعراء على أن التنزّل فيها أقل، ذلك لأن الشياطين لا تتنزّل بكثرة على كل الكفرة، وإنما تتنزّل على طائفة دون أخرى، أو على الكهنة كما في سياق الآية، وهم الموصوفون بالإفك والإثم. ولا شك أن هؤلاء ليسوا كثرة في الناس، وهم قلة، فاقتطع من الحدث ما يناسب أهله وفاعله ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير