تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما السياق في آية سورة فصلت فهو يدور على استبشار من حضره الموت من أهل الإيمان برؤية الملائكة حين الاحتضار لتبشرهم بالجنة (). فالتنزّل هنا أكثر، ذلك لأنه في كل لحظة يموت مؤمن مستقيم، فتتنزل الملائكة لتبشره بالجنة. فأعطى الفعل كل صيغته ولم يحذف منه شيئاً مناسبة لهذا السياق.

* ومن ذلك أيضاً ورود الفعل (تولّوا) محذوف التاء في قوله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ? ()، ووروده تام الصورة في قوله تعالى: ? وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ ? ().

والسياق في آية سورة الأنفال على خطاب أهل الإيمان، وهو أهل طاعة، ولذا فإن تولّيهم أقل. بخلاف سياق آية سورة هود الدائر على خطاب الكافرين من قوم هود، فهم أهل عصيان، وطبيعي أن يكون تولّيهم عن نبيهم أكثر. فلمّا كان تولّي المؤمنين أقل حذف من الفعل ما يدل على هذا الإقلال من الفعل المشين، فجاء الفعل محذوف التاء. في حين دلّ بإثبات صيغة الفعل كاملة في حقّ أهل الكفر في آية سورة هود دلالة على كثرة تولّي هؤلاء عن الطاعة والإيمان، ونصرة الأنبياء ().

وهكذا يرتبط السياق الحذفي في حروف الكلمة بدلالات السياق في إطار الآية التي وردت فيها الكلمة، مع مراعاة روح السورة التي وظفت فيها هذه الآية، مما يجعل الدلالة تتشابك في نسيج نصي متكامل.

ب – حذف ياء المتكلم:

كثيراً ما نلمس في القرآن الكريم حذف ياء المتكلم مع الاجتزاء عنها بالكسرة، وذلك لا يكون إلا لغرض دلالي ن فإنه قد تذكر الياء في مقام الإطالة والتفصيل، وتحذف ويُجْتَزَأ عنها بالكسرة في مقام الإيجاز والاختصار، أو تحذف لغرض سياقي يقتضيه المقام.

* فمن ذلك ما نلمسه في قوله تعالى: ? وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ? () بإثبات ياء المتكلم في الفعل (اخشوني). وقوله تعالى: ? حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ? ()، بحذف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة من الفعل (اخشونِ).

والسرّ في ذلك يكمن في مناسبات السياق في هذه الآيات. فالسياق في آية سورة البقرة يدور على دلالات حادثة تحويل القبلة من بيت المقدس إلى بيت الله الحرام، وما أثاره ذلك من فتنة وملاحاة من المشركين واليهود، حتى قال المشركون إن محمداً تحيّرَ في دينه، وحتى ارتدّ قسم من ضِعاف الإيمان (). يقول ابن عطية: " قوله تعالى: ? فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? تحقير لشأنهم، وأمر باطراح أمرهم، ومراعاة أمره " ().

أما آية سورة المائدة فهي في سياق تعداد نعم الله ? على عباده بذكر ما حرّم عليهم من أطعمة، مراعاة لهم، وصيانة لأنفسهم، وحفاظاً على أبدانهم ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير