فاقتضى السياق مناسبة الزيادة في بناء الفعل في آية سورة البقرة، وذكر المولى ? نفسه بالضمير في الفعل (اخشوني) للتخويف منه، وإظهار نفسه لخشيته. ولا شك أن التحول عن القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة فيه من الإرجافات والفتن، ومظنة الارتداد عن الدين الكثير، مما اقتضى هنا إظهار ذاته سبحانه، بإظهار الياء في الفعل ليرد على صورته الكاملة قصداً إلى هذه الدلالات.
أما آية سورة المائدة فليس فيها من المجادلة أو المماراة أي قدر، إذ هي في مقام تعداد النعم بتحريم ما يضرّ من الأطعمة. فناسب المقام من باب شكر النعمة الاختصار والحذف في بنية الفعل، بعيداً عن إظهار (الياء) الدالة عليه سبحانه وتعالى، إذ ليس المقام هنا مقام تخويف، بل هو مقام شكر وحمد ().
* ومن ذلك ورود الفعل (تسألنِ) محذوف الياء والاجتزاء عنها بالكسرة في قوله تعالى: ? يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ? ()، ووروده بصورته الكاملة في قوله تعالى: ? قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً ? ().
وبتدقيق النظر نجد أن سياق الآية في سورة هود في معرض الحديث عن سؤال نوح ? لربه في شأن ابنه عند بدء الطوفان، ومحاول نوح ? الشفاعة فيه، لكن الله ? رده إلى جادة الصواب، وبيّن له كيف أن ابنه قد عصى، ولذا فهو ليس من الناجين، فالتزم نوح ? بهذا الأمر تماماً ().
أما آية سورة الكهف فهي في سياق اشتراط الخضر ? على نبي الله موسى ? ما يراه من شرط الصحبة، فلا يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يخبره عنه أولاً (). وبمقارنة السياقين نجد:
* أن السؤال هو محور السياق في الآيتين، غير أن السؤال كان مفرداً في آية سورة هود، وعن أمر واحد. في حين أن السؤال في آية سورة الكهف متعدد بحسب المشاهد التي يراها موسى ?، ويفعلها الخضر أمامه، ولذا فإن نطاق الإلحاح في السؤال في شأن موسى أكثر اتساعاً.
* كذلك تختلف نوعية السؤال في الآيتين، ففي سورة هود هو سؤال الطلب والحاجة، ولذا تعدى الفعل بنفسه دون الحاجة إلى حرف جر. أما في سورة الكهف فهي أسئلة استفهام واستفسار واستعلام عن حقيقة أمور وأحداث، ولذا تعدى الفعل فيها بحرف الجر (عن).
ولذا ناسب في آية سورة هود حذف الياء من الفعل والاجتزاء عنها بالكسرة مناسبة لسياق الالتزام بأمر الله بعدم مناقشة الأمر، وإطاعة ما نهاه الله عنه في فحوى سؤاله. أما سياق آية سورة الكهف فإنه يقتضي الإطالة في بنية الفعل، والتفصيل وفقاً للأحداث، فذكر الياء في الفعل مناسبة لهذا الصنيع.
ج – حذف ياء المنقوص:
يكثر في النص القرآني حذف ياء الاسم المنقوص لغير التقاء الساكنين. يقول العلوي: " وهذا إنما يكون وارداً على جهة السماع لا يُقاس. وهذا إنما يكون في الألفاظ التي تستعمل على جهة الكثرة دون ما عداها " ().
ومن الأمثلة القرآنية التي وظفت حذف ياء الاسم المنقوص ما يلي:
- قوله تعالى: ? وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ? ().
- قوله تعالى: ? لَهُم مِّن جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِن فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ ? ().
- قوله تعالى: ? عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ? ().
- قوله تعالى: ? لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ? ().
- قوله تعالى: ? وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ ? ().
- قوله تعالى: ? فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُّكُرٍ ? ().
¥