تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

لكن ماذا يستفيد السامع من تعريف المسند إليه والمسند؟ يجيب السكاكي: " يستفيد إما لازم الحكم، كما ترى في قولك لمن أثنى عليك بالغيب: الذى أثنى علي بالغيب أنت. معرفاً لأنك عالم بذلك. أو الحكم كما ترى في قولك لمن تعرف أن له أخاً، ويعف إنسانا يسمى زيداً، أو يعرفه يحفظ التوراة، أو تراه بين يديه، لكن لا يعرف أن ذلك الإنسان هو أخوه، إذا قلت له: أخوك زيدٌ، أو أخوك الذي يحفظ التوراة، أو أخوك هذا، فقدمت الأخّ، أو إذا قلت: زيدٌ أخوك، أو الذي يحفظ التوراة أخوك، أو هذا أخوك، فأخرت الأخ معرفاً له في جميع ذلك " ().

فالسكاكي هنا يجعل تعريف المسند إليه والمسند يفيدان أحد أمرين هما:

الأول: إفادة لازم الحكم، ومعناه: الحكم على أمر معلوم بآخر معلوم، أي أنه يتناص هنا مع الأغراض المستفادة من الخبر، خاصة مع ما يسمى (لازم فائدة الخبر). وهذا مغاير لعلم المخاطب بالحكم، فقولك: أنت الذي مدحني بالقصيدة الرائعة، معلوم لك أنه هو، لكنك أردت أن تؤكد الحكم هنا.

والثاني: إفادة الحكم، ومعناه: الحكم على أمر معلوم للسامع، ومعرف بطريقة من طرق التعريف، بأمر آخر غير معلوم له، وذلك لأنه يجب عند تعريف المسند تعريف المسند إليه، إذ ليس في كلام العرب مسند إليه نكرة ومسند معرفة، فقولك: أخوك زيد اقتضى جهل السامع بأحد المعرفتين، فلذا وجب إفادته حكماً بأن له أخاً هو زيد. فالأمر هنا على إفادة حكم لا لازم حكم.

ويعود السكاكى لينقل لنا رأياً مستفاداً من رأي النحويين في هذه المسألة، مفاده: أنه إذا أتت معرفتان فليس كل منهما صالحا للابتداء، بل هناك منهما من هو متعين دوماً للخبرية ولا يصلح للابتداء به، ومنهما من يصلح دوماً للمبتدئية ولا يصلح للإخبار به ().

وقد تواتر على هذا الرأي أتباع المدرسة السكاكية، دون أي تجديد أو إضافة، اللهم ما كان من بعضهم من توظيف بعض آيات النص القرآني في هذه المسألة، مثلما فعل (الطيبي) الذي حاول إبراز ذاته التجديدية في إطار النظرية السكاكية بتوظيف الآي القرآني في هذه المسألة، وقد تأتى له ذلك بصورة جميلة ()، أو إضافة بعض أبيات الشعر ()، أو الإفاضة في الشرح فقط ().

ورغم تخريج النحويين والبلاغيين لهذه المسألة، وإبراز الآراء والأقوال فيها، إلا أن حدود هذه الآراء لم يكن لتشمل دلالات آيات النص القرآني في توظيفه لهذه المسألة. فمثلاً قوله تعالى: ? سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ? ()، فتعريف المبتدأ والخبر هنا لا يفيدنا لازم الحكم أو الحكم إطلاقاً. فالمسند إليه والمسند معرفتان وفي لازم الحكم تدل بأمر معلوم (هو) الدال على الذات الإلهية، على أمر آخر معلوم (العزيز) وهو دال أيضاً على الذات الإلهية، والاثنان معلومان في الذهن الإنساني بما لا يدع مجالاً لدلالة هذا على ذاك، ولا ذاك على هذا.

والمتأمل لعظمة التركيب في الآية القرآنية كما يلي: (هو العزيز الحكيم) يجد أن البنية التركيبية تعطى دلالات تتضافر دون شك مع البنية السياقية للآية ومن ثم البنية السياقية للسورة. فالسياق في الآية في يتناول الحديث عن عبودية كل مخلوقات الله لله، وتسبيحهم إياه على الدوام. تأمل دلالة التعبير بالفعل الماضي (سَبَّحَ) فليس المقصود هنا انتهاء فعل التسبيح، بل المعنى على أن هذه المخلوقات جميعها سبحت - وتسبح وستظل تسبح - لله ? قبلك أيها الإنسان، وما زلت بجهلك وعنادك، فاستلزم الأمر أن نرسل لك رسلاً وكتباً، ولم تستدل مثل هذه المخلوقات على إلهك مباشرة، بل أعملت عنادك، فانظر وتأمل صبر الله عليك وحبه لك لما أرسل لك الرسل والكتب رغم ما أنت فيه من كفر وجهل وعناد، ولم يأخذك أخذ عزيز مقتدر (وهو العزيز الحكيم).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير