تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

خمسة مواضع متتالية في هذه الآيات. يقول أبو حيان في تفنيد هذا التكرار الجملي: " اعتقب كل واحدة من هذه الجمل قوله تعالى (مع الله بل) على سبيل التوكيد والتقرير أنه لا إله إلا هو تعالى " ().

فقد ذكر سبحانه وتعالى هنا على سبيل الإنعام على العباد في معرض المحاجاة، فذكر خلق السماوات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات الحدائق والأشجار، وشق الأنهار، وخلق الجبال والبحار، وإجابة الدعاء، وإرسال الرياح، وبدء الخلق وإفنائه ثم بعثه من جديد. وفي هذه المحاجاة يكون السؤال التهكمي: أإله مع الله يفعل مثل هذه الأفعال؟! والإجابة بالتأكيد: لا. ولذا كان تعقيب هذه الجمل بحرف الإضراب (بل) دلالة على كذب دعواهم، وفساد ما ذهبوا إليه.

ويربط الكرماني تكرار هذه الجملة في خمس آيات على التوالي بما يليها من ختام وتعقيب لكل آية منها. يقول: " قوله تعالى: (أإله مع الله) في خمس آيات على التوالي، ختم الأولى بقوله: (بل هم قوم يعدلون)، ثم قال: (بل أكثرهم لا يعلمون)، ثم قال: (قليلاً ما تذكرون)، ثم قال: (تعالى الله عما يشركون)، ثم (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين)، أي: عدلوا. وأول الذنوب العدول عن الحق، ثم لم يعلموا، ولو علموا لما عدلوا، ثم لم يتذكروا فيعلموا بالنظر والاستدلال، فأشركوا من غير حجة وبرهان، قل لهم يا محمد (هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) " (). فهو يسير مع التدرج العقلي في الاستدلال بالعقل على الله من خلال النظر في خواتيم الآيات، وربطها بهذا الاستدلال.

* ومنه قوله تعالى: ? وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ? ()، التي تكررت في (10 عشر آيات)، والتكرار هنا وارد بعد ذكر كل أمر عظيم من أمور الدنيا والآخرة، إذ يفيد هذا الوعيد للمكذبين الدلالة على التخويف والتهديد الذي ترجف منه القلوب. يقول الكرماني في تعليل هذا التكرار للجملة الاسمية: " لأن كل واحدة منها ذُكِرَت عقيب آية غير الأولى، فلا يكون تكراراً مستهجناً، ولو لم يكرر كان متوعداً على بعض دون بعض " ().

ويرى الطوفي أن التكرار لهذه الجملة الاسمية في السورة من قبيل التكرار الذي فائدته " تحقيق وقوع الويل بهم، وتأكده، تحذيراً من التكذيب، وتنفيراً منه، أو زجراً " ().

أما الرازي فيرى أن إعادة الجملة الاسمية ضروري " لأنه ذكر ذلك عند قصص مختلفة، فلم يعد تكراراً (مستقبحاً) لأنه أراد بما ذكره أولاً (ويل يومئذ للمكذبين) بهذه القصة، ثم لما أعاد قصة أخرى ذكر مثله على هذا الحدّ، ولما اختلفت الفائدة خرج عن أن يكون تكراراً " ().

* ومنه قوله تعالى: ?فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ? التي تكررت في (4 أربع آيات) هي (16–18–21–30) (). يقول الكرماني في تعليل تكرار هذه الجملة الاسمية، بأن هذا التكرار: " ختم به قصة نوح وعاد وثمود ولوط لما في كل واحدة منها من التخويف والتحذير، وما حلّ بهم " ().

فالتكرار هنا على تبيان دلالة التخويف مما حلّ بالأمم السابقة لما كفروا، ثم التحذير من إمكانية وقوع مثل هذا العذاب لمن يجدد هذا الفعل التكفيري، أو ن يجحد الإيمان بالله تعالى.

2 - تكرار الجملة الفعلية:

الجملة الفعلية أكثر تكراراً من الجملة الاسمية في العربية، وهذه الكثرة ربما تعود إلى أن الفعلية تعبّر عن الحدث غالباً، والحدث يتسم بالتكرار , ويذكر إسرائيل ولفنسون أن " اللغات السامية في الحقيقة تعتمد على الجمل الفعلية أكثر من اعتمادها على الاسمية. فالفعل في اللغات السامية هو كل شيء، فمنه تتكون الجملة، ولم يخضع الفعل للاسم والضمير، بل نجد الضمير مسنداً إلى الفعل، ومرتبطاً به ارتباطاً وثيقاً " ().

والتكرار بالجملة الفعلية إنما هو تكرار للحدث مرتبطاً بالزمنية التي يتحقق فيها وبها، وبذلك فهذا التكرار الفعلي يتكئ في مقصده الأهم على ملابسات الزمن بالحدث، ثم التدرج إلى الاستفادة السياقية لهذا التعاضد النصي من خلال الإلحاح على بنية التكرار في هذا السياق.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير