تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* ومن أبرز مظاهر التكرار للجمل الفعلية في القرآن قوله تعالى: ?فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ? التي تكررت في (31 واحد وثلاثين آية) من سورة الرحمن (). والجملة هنا فعلية تقدمت متعلقاتها (الجار والمجرور) على الفعل. يقول المرتضى: " أما التكرار في سورة الرحمن فإنما حَسُنَ للتقرير بالنعم المختلفة المتعددة، فكلما ذكر نعمة أنعم بها قرّر عليها، ووبّخ على التكذيب بها " ().

وملمح التكرار هنا لتعدد النعم هو الذي هيمن على تفكير أهل البلاغة لتحليل التكرار في هذه السورة. يقول العسكري: " كرر الله عزّ وجلّ في سورة الرحمن قوله: (فبأي ألاء ربكما تكذبان)، وذلك أنه عدّد فيها نعماءه، وادّكر عباده ألاءه، ونبههم على قدرها وقدرته عليها، ولطفه فيها، وجعلها فاصلة بين كل نعمة ليُعرَف موضع ما أسداه إليهم فيها " ().

ويرى د. عبد الملك مرتاض أن " تكرار هذه الآية يعكس خصوصية الأمر، أو الاحتفاء به، أو توكيده، أو الرغبة إليه، أو الحنق عليه، أو الرضا عنه. كما أن التكرار استطاع أن يُكَيِّف سطح الخطاب في هذه السورة، ويؤثر في طبيعة بنائه، وهندسة معمارية نسجه، إضافة إلى أنه منح هذه السورة العروس شيئاً من التمكن والثبات للإيقاع الذي يقوم عليه المقطع (آن) " ().

كما أن تكرار هذه الجملة الفعلية يتوزع في السورة على أربعة أقسام هي:

الأول: في الآيات من (13–30)، ويدور على تعداد نعم الله في الخلق، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).

والثاني: في الآيات من (31 - 45)، ويدور على ذكر العذاب بالنار، تكررت الآية فيه (7 سبع مرات).

والثالث: الآيات من (46 - 61)، ويدور على بيان النعم الأخروية كالجنة، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).

والرابع: الآيات من (62 - 78)، ويدور على ذكر الجنتين وما فيهما من نعم، تكررت الآية فيه (8 ثماني مرات).

يقول د. أحمد بدوي: " لعلّ في هذا السؤال (فبأي ألاء ربكما تكذبان) المتكرر ما يثير في نفس سامعيه اليقين بأنه ليس من الصواب نكران نعم تكررت، وألاء توالت " ().

وهكذا يسهم تكرار الجملة الفعلية في سورة الرحمن في إفادة الكثير من الدلالات والمعاني في نسيج السورة، كما أنه انعقد على إفادة التجدد الحدوثي، وارتباطه بالزمنية المطلقة في هذه العطاءات والنعم.

* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ? (). حيث تكررت جملة (ويحذركم الله نفسه) مرتين في هذه الآيات. يقول أبو السعود: " (ويحذركم الله نفسه) تكرير لما سبق، وإعادة له، لكن لا للتأكيد فقط، بل لإفادة ما يفيده قوله عز وجل: (والله رؤوف بالعباد) من أن تحذيره تعالى من رأفته بهم، ورحمته الواسعة، أو أن رأفته بهم لا تمنع تحقيق ما حذرهموه من عقابه، وأن تحذيره ليس مبنياً على تناسي صفة الرأفة، بل هو متحقق مع تحققها أيضاً " ().

ويفند الكرماني هذا التكرار بقوله: " كرره مرتين لأنه وعيد عطف عليه وعيد آخر في الآية الأولى، فإن قوله: (وإلى الله المصير) معناه: مصيركم إلى الله، والعذاب معَدّ لديه، فاستدركه في الآية الثانية بوعد، وهو قوله تعالى: (والله رؤوف بالعباد). والرأفة أشد من الرحمة. وقيل: من رأفته تحذيره " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير