تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

* ومن ذلك أيضاً قوله تعالى: ? فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ? (). فقد جانس هنا بين كلمتي (منهم) و (عنهم)، وهما من أحرف الجر المسندة إلى ضمير الجمع (هم). وسياق الآية يدور على الخطاب لبني إسرائيل وأمرهم باتباع الرسل، وعدم نقض الميثاق، وما خالفوا فيه كل ما أُمِروا به من الله تعالى. كذلك التوجه بالتحذير للنبي ? من شرهم وخيانتهم ما عدا القليل منهم، فلهم الصفح والعفو إن أحسنوا ().

ونلمح في سياق الآية تكرار شبه الجملة (منهم) في جانب اليهود، ثم تعانق هذا التكرار بالجناس مع لفظة (عنهم). وهذا التعاضد التكراري على إثبات أمرين:

الأول: أن هؤلاء اليهود غير مأمونين، وهم أهل خيانة جميعاً، إلا قليلاً منهم ممن حسن إسلامه.

والثاني: وجوب الصفح والعفو عمن دخل في زمرة الإسلام منهم، وحسن إسلامه.

فالجناس هنا على إثبات صفة الخيانة (منهم)، ونفي هذه الصفة (عنهم) بشرط حسن الإسلام، والاستقامة. فحققت بنية الجناس هذا المعنى، بالإضافة إلى جمالية الإيقاع المستفاد من هذه البنية، لتخفف من حدة التراكيب في الآية التي اتسقت مع سياق الحدث المتضمن فيها.

* وعلى هذا يمكن تخريج الجناس في الآيات التالية:

- قوله تعالى: ? كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّثْلَ قَوْلِهِمْ ? سورة البقرة آية رقم (118.

- قوله تعالى: ? وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ? سورة الأنعام آية رقم (100).

- قوله تعالى: ? وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء? سورة الأعراف آية رقم (95).

- قوله تعالى: ? وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً ? سورة الأنبياء آية رقم (90).

- قوله تعالى: ? وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً? سورة الحشر آية رقم (11).

- قوله تعالى: ? عُذْراً أَوْ نُذْراً ? سورة المرسلات آية رقم (6).

وهكذا يتم توظيف بنية التكرار الإيقاعي بالجناس في سياق الآيات القرآنية رغبة في دلالات نصية مقصودة، وطلباً للإيقاع الصوتي وما يتبعه من جماليات سياقية.

2 - التكرار بطباق السلب:

يعتمد طباق السلب في فنيته الجمالية حين التوظيف على إثبات الحدث أو الفعل ثم نفيه في آن. كما أن محور طباق السلب الأهم ليس الحدث من الإثبات أو النفي، لكنه الوسيلة التي يتم بها هذا الإثبات والنفي، أي (أداة النفي)، التي يتم في ضوئها هذا التكرار الإيقاعي، ويحدث الانزياح الصوتي والدلالي معاً.

ويرى د. سعد أبو الرضا أن " الوظيفة الأهم في توظيف طباق السلب صوتياً هو الكشف عن الدلالة بأبعادها المختلفة خلال هذه البنية اللغوية " ().

كما يرى د. منير سلطان أن " الطباق السلبي هو طباق ذاتي، فالحدث هو هو " ().

ووحدة الحدث هي مناط تميز طباق السلب، إذ الأمر يدور على النفي والإثبات لهذا الحدث وفق سياقات المعنى، واعتبارات الدلالة.

والنص القرآني حين يوظف طباق السلب في آياته فإن هذا التوظيف يظهر في صورتين هما:

الأولى: توظيف الطرف المثبت أولاً ثم تعقيبه بالطرف المنفي. ويتمثل ذلك في الآيات التالية:

- قوله تعالى: ? يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ? سورة البقرة آية رقم (185).

- قوله تعالى: ? هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ ? سورة آل عمران آية رقم (119).

- قوله تعالى: ? يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ? سورة النساء آية رقم (120).

- قوله تعالى: ? فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ? سورة المائدة آية رقم (27).

- قوله تعالى: ? يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُل لاَّ تَعْتَذِرُواْ? سورة التوبة آية رقم (94).

- قوله تعالى: ? أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ? سورة النحل آية رقم (17).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير