تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والثاني: توظيف الطرف المنفي أولاً ثم تعقيبه بالطرف المثبت. ويتمثل ذلك في الآيات التالية:

- قوله تعالى: ? فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي ? سورة البقرة آية رقم (150).

- قوله تعالى: ? إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ? سورة النساء آية رقم (48).

- قوله تعالى: ?لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ? المائدة آية رقم (89).

- قوله تعالى: ? لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ? سورة الأنعام آية رقم (103).

- قوله تعالى: ? لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعُوا ثُبُوراً كَثِيراً? سورة الفرقان آية رقم (14).

- قوله تعالى: ? إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ? سورة القصص آية رقم (56).

وهذا التنوع الأسلوبي في توظيف طباق السلب إرادة للتكرار الإيقاعي ما هو إلا مؤشر دقيق على تنوع طرق الصياغة القرآنية، وفرادة التوظيف لمثل هذه السياقات. ولنحاول الوقوف بالتحليل على بعض هذه السياقات لاستكناه ما تحمله من شحنات جمالية ودلالية رائعة.

* فمن ذلك قوله تعالى: ?لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ? ()، إذ وظف الفعل (يؤاخذكم) في سياق طباق السلب فورد في صيغتين؛ واحدة مثبتة، والأخرى مسبوقة بحرف النفي (لا). وتمثلت البنيتان في الشكل التالي:

بنية النفي: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم).

بنية الإثبات: (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم).

يقول أبو السعود: " اللغو ما سقط من الكلام عن درجة الاعتبار " (). فالتقديم للطرف المنفي على إرادة بسط الكلام والإيناس، ثم عقب ذلك بإيراد الحدث مثبتاً للتوضيح، وبيان ما تكون به المؤاخذة في الكلام.

* ومن ذلك قوله تعالى: ? يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ? ()، حيث وظف الفعل (يستخفون) في سياق الإثبات ثم النفي في سياق تجاوري قُصِدَ منه إبراز الحدث في ذاته، مع توظيف أداة النفي لسلب هذه القصدية عن هذا الحدث. يقول أبو السعود: " (يستخفون من الناس) أي: يستترون منهم حياء، وخوفاً من ضررهم. و (لا يستخفون من الله) أي: لا يستحيون منه سبحانه وتعالى، وهو أحق أن يُسْتَحي منه، ويُخاف عقابه " ().

ويرى ابن عاشور أن توظيف فعل الاستخفاء من الله على المجاز " إذ لا يعتقد أحد يؤمن بالله بأنه يستطيع أن يستخفي على الله " ().

والطباق هنا على دلالة النعي على هؤلاء المعاندين الذين يحذرون الناس ويستخفون منهم، ويتركون مخافة الله وخشيته، والاستحياء منه. فالطباق بالسلب على دلالة إبراز المفارقة الدلالية بين فعلين لفاعل واحد.

* ومنه قوله تعالى: ? أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ ? ()، حيث طابق بين الفعل (يخلق) في معرض التقريع لأهل الكفر على مساواتهم الأوثان بالله تعالى في العبادة، فقرعهم على ذلك بأن ذكر لهم فعل الألوهية وهو (الخلق)، وكيف أنهم بهذا الوهم جعلوا مَنْ لا يخلق على حذو واحد بمن يخلق.

كما أن ذكر حرف التشبيه هنا على جهة التشبيه المقلوب يسهم في تبيان الصورة المغلوطة عند هؤلاء، إذ الأصل أن يشبَّه الأدنى بالأعلى في تحقق الصفة، فالأولى أن يقال – في غير القرآن -: (أفمن لا يخلق كمن يخلق)، لكن تم العدول هنا للتوبيخ، ثم الإهمال، وعدم الابتداء بهم للتحقير. يقول أبو حيان: " ذكر الله تعالى التباين بين من يخلق وهو الباري تعالى، وبين من لا يخلق، وهي الأصنام، ومن عُبد ممن لا يعقل، فجدير أن يُفرد بالعبادة من له الإنشاء دون غيره " ().

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير