الثالث: ما صح سنده، وخالف الرسم أو العربية، أو لم يشتهر الاشتهار المذكور، وهذا النوع لا يقرأ به ولا يجب اعتقاده، ومثاله قراءة: ? مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ ? ()، بجمع كلمتي (رفرف) و (عبقري) على (رفارف) و (عباقري).
الرابع: الشاذ، وهو ما لم يصح سنده، قراءة ابن السَّميفع ?فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً? ()، بالحاء المهملة في كلمة (ننجيك)، وبفتح اللام من كلمة (خَلَفك).
الخامس: الموضوع، وهو ما نسب إلي قائله من غير أصل، مثل القراءات التي جمعها محمد بن جعفر الخزاعى، ونسبها إلي أبي حنيفة.
السادس: ما يشبه المدرج من أنواع الحديث، وهو ما زيد في القراءات علي وجه التفسير، كقراءة سعد بن أبي وقاص ? وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ من أم ? ()، بزيادة لفظ (من أم).
ومن خلال هذا النقل نخلص إلي أن النوعين الأولين هما اللذان يقرأ بهما وأما غيرهما فلا. والنوع الأول وهو المتواتر مقطوع بقرآنيته بلا نزاع. أما النوع الثاني وهو المشهور الذي اتفقت فيه الضوابط الثلاثة المذكورة وهي؛ صحة السند، وموافقة اللغة العربية ولو بوجه، وموافقة الرسم العثماني ولو احتمالاً، فهذا النوع لم يوافق عليه بعض العلماء، بل اشترطوا التواتر دون صحة السند، أي لم يكتفوا بصحة السند. وهذا مما لا يخفي ما فيه، فإن التواتر إذا ثبت، لا يحتاج فيه إلي الركنين الأخيرين من العربية والرسم، إذ ما ثبت من أحرف الخلاف متواتراً عن النبي - صلي الله عليه وسلم - وجب قبوله والقطع بكونه قرآناً سواء وافق الرسم أو لا ().
وقد حاول البعض تقريب وجهة النظر حول قبول هذه القراءة، أو عدم قبولها، بقوله: " إن هذا القسم - يعنى الذي استجمع الأركان الثلاثة المذكورة - يتنوع إلي نوعين:
الأول: ضرب أو نوع استفاض نقله وتلقته الأمة بالقبول، وهو يلحق بالمتواتر من حيث قبوله والعمل بمقتضاه؛ لأنه وإن كان من قبيل الآحاد إلا أنه احتفت به قرائن جعلته يفيد العلم لا الظن.
والنوع الثاني: وهو ما لم تتلقه الأمة بالقبول ولم يستفض، وهذا فيه خلاف بين العلماء، من حيث قبوله، والقراءة به، أو عدم ذلك، والأكثرون علي قبوله " ().
أوجه الاختلاف بين القراءات الثابتة:
سبق أن قررنا أن القراءات مرجعها النقل الثابت عن النبي ? ولذلك، لم يكن الاختلاف بينها علي سبيل التضاد في المعاني، بل القراءة إما مؤكدة لغيرها، أو موضحة، أو مضيفة إليها معنى جديداً، فتكون كل قراءة بالنسبة للأخرى، بمنزلة الآية مع الآية. وكما أن الاختلاف بين هذه القراءات لم يكن علي سبيل التضاد في المعاني، فإنه كذلك لم يكن علي سبيل التباين في الألفاظ، وقد تم حصر أوجه الاختلاف بين القراءات في الوجوه الآتية:
الأول: الاختلاف في شكل آخر الكلمات، أو بنيتها، مما يجعلها جميعاً في دائرة العربية الفصحى، بل أفصح هذه اللغة، المتسقة في ألفاظها، وتآخى عباراتها، ورنة موسيقاها، والتواؤم بين ألفاظها ومعانيها.
الثاني: الاختلاف في المد في الحروف، من حيث الطول والقصر، وكون المد لازماً أو غير لازم، وكل ذلك مع التآخي في النطق في القراءة الواحدة، فكل قراءة متناسقة في ألفاظها من حيث البنية للكلمة، ومن حيث طول المد أو قصره.
الثالث: الاختلاف من حيث الإمالة، أو عدمها في الحروف، كالوقوف بالإمالة في التاء المربوطة، أو عدم الإمالة فيها.
الرابع: الاختلاف من حيث النقط ومن حيث شكل البنية في مثل قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا? ()، حيث قرئ متواتراً (فتثبَّتُوا) (). ومع ذلك فالقراءتان متلاقتيان في المعنى، فالأولي طالبت بالتبيّن المطلق، والأخرى بينت طريق التبيّن، وهو التثبت بتحري الإثبات.
¥