الخامس: زيادة بعض الحروف في قراءة، ونقصها في أخرى، مثل قراءة ابن عامر - وهو أحد السبعة - ?َقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ? ()، بدون واو قبل (قالوا)، في حين قرأ الباقون بالواو هكذا (وقالوا اتخذ الله ولدا) (). ومثل ذلك قراءة ابن كثير - وهو أحد القراء السبعة - ? وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ ? () بزيادة (من)، في حين قرأ الباقون (تجرى تحتها الأنهار) ().
فإن قيل: ما الثابت من القراءتين في المصحف العثماني؟ فالردّ أنّ المصاحف العثمانية - وعددها ستة أو سبعة - أثبت فيها كل ما يحتمله الرسم بطريقة واحدة ()، وأما ما لا يحتمله الرسم كالزيادة والنقصان، فإنه كان يثبت في بعض المصاحف بقراءة، وفي بعضها بقراءة أخرى. يقول القرطبي مفصّلاً القول في ذلك: " وما وجد بين هؤلاء القراء السبعة من الاختلاف في حروف يزيدها بعضهم، وينقصها بعضهم، فذلك لأن كلاً منهم اعتمد علي ما بلغه في مصحفه ورواه، إذ كان عثمان كتب تلك المواضع في بعض النسخ، ولم يكتبها في بعض، إشعاراً بأن كل ذلك صحيح، وأن القراءة بكل منها جائزة " ().
فوائد اختلاف القراءات:
مسألة اختلاف القراءات وتعددها، كانت ولا زالت محل اهتمام العلماء، ومن اهتمامهم بها بحثهم عن الحكم والفوائد المترتبة عليها، وهي عديدة نذكر الآن بعضاً منها:
1 - التيسير علي الأمة الإسلامية، ونخص منها الأمة العربية التي شوفهت بالقرآن، فقد نزل القرآن الكريم باللسان العربي، والعرب يومئذٍ قبائل كثيرة، مختلفة اللهجات، فراعى القرآن الكريم ذلك، فيما تختلف فيه لهجات هذه القبائل، فأنزل فيه - أي بين قراءاته - ما يواكب هذه القبائل علي تعددها دفعاً للمشقة عنهم، وبذلاً لليسر والتهوين عليهم.
2 - الجمع بين حكمين مختلفين مثل قوله تعالي: ? فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ ? ()، حيث قرئ (يطهرن) بتخفيف الطاء وتشديدها (). ومجموع القراءتين يفيد أن الحائض، لا يجوز أن يقربها زوجها إلا إذا طهرت بأمرين: انقطاع الدم، والاغتسال.
3 - الدلالة علي حكمين شرعيين في حالين مختلفين، ومثال ذلك قوله تعالي: ?فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ? () حيث قُرِئَ (وأرجلَكم) بالنصب عطفاً علي (وجوهَكم) وهي تقتضى غسل الأرجل، لعطفها علي مغسول وهي الوجوه. وقُرِئَ (وأرجِلِكم) بالجر عطفاً علي (رءوسِكم) (). وهذه القراءة تقتضى مسح الأرجل، لعطفها علي ممسوح وهو الرءوس. وفي ذلك إقرار لحكم المسح علي الخفين.
4 - دفع توهم ما ليس مراداً: ومثال ذلك قوله تعالي: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ? () حيث قرئ (فامضوا إلي ذكر الله) (). وفي ذلك دفع لتوهم وجوب السرعة في المشي إلي صلاة الجمعة المفهوم من القراءة الأولي، حيث بينت القراءة الثانية أن المراد مجرد الذهاب ().
5 - إظهار كمال الإعجاز بغاية الإيجاز، حيث إن كل قراءة مع الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، وذلك من دلائل الإعجاز في القرآن الكريم، حيث دلت كل قراءة علي ما تدل عليه آية مستقلة.
6 - اتصال سند هذه القراءات علامة علي اتصال الأمة بالسند الإلهي، فإن قراءة اللفظ الواحد بقراءات مختلفة، مع اتحاد خطه وخلوه من النقط والشكل، إنما يتوقف علي السماع والتلقي والرواية، بل بعد نقط المصحف وشكله؛ لأن الألفاظ إنما نقطت وشكلت في المصحف علي وجه واحد فقط، وباقي الأوجه متوقف علي السند والرواية إلي يومنا هذا. وفي ذلك منقبة عظيمة لهذه الأمة المحمدية بسبب إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السند بالسند الإلهي، فكان ذلك تخصيصاً بالفضل لهذه الأمة ().
7 - في تعدد القراءات تعظيم لأجر الأمة في حفظها والعناية بجمعها ونقلها بأمانة إلي غيرهم، ونقلها بضبطها مع كمال العناية بهذا الضبط إلي الحد الذي حاز الإعجاب ().
¥