تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالتسبيح تخلية بسلب النقائص عن الذات القدسية، والوصف بـ: "الأعلى" صيغة التفضيل: تحلية بإثبات العلو له، جل وعلا، علوا لا يضارعه علو شيء من مخلوقاته، ولو كان العرش: سقف المخلوقات، فهو مستو عليه استواء يليق بجلاله كما أخبر عن نفسه، فله من العلو: علو الذات والشأن والقهر تبارك وتعالى أن يحيط بكنه وصفه عقل.

*****

و: حديث علي رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِيَ لِلَّذِي خَلَقَهُ فَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

لك سجدت: حصر وتوكيد بتقديم ما حقه التأخير، فلك وحدك سجودي.

وبك آمنت: حصر آخر.

ولك أسلمت: حصر ثالث، فيه نوع إطناب، إذ الإيمان المتقدم يشمل الإسلام وزيادة، فدائرة الإيمان أعم من جهة نفسها، فيكون قد ذكر الإيمان متضمنا الإسلام ثم أفرد الإسلام بالذكر، فيكون من: عطف الخاص على العام، وقال بعض أهل العلم بل هو من: "الاقتران": فيستقل الإيمان بعقد القلب، ويستقل الإسلام بقول اللسان وعمل البدن، ويرجح هذا القول أن إيراد الإسلام فيه يكون من باب: التأسيس لا التوكيد، فلم يسبق له ذكر، بخلاف القول الأول فقد ذكر ضمن الإيمان، فيكون إفراده بعده من قيبل: التوكيد، والقاعدة أن: الكلام إذا دار بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى.

*****

سَجَدَ وَجْهِيَ: ذكر بعضا وأراد كلا، فالسجود لا يكون على الوجه فقط، وإنما يكون على الأعضاء السبعة المعروفة، وإنما ذكر الوجه لأنه أشرفها، فإذا سجد الأعلى سجد الأدنى من باب أولى فيكون من باب: التنبيه على الأدنى بذكر الأعلى.

لِلَّذِي خَلَقَهُ:

إجمال في الموصول بينته الصلة.

فَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ: بيان ثان لإجمال الخلق، فخلق الوجه يكون بتصويره وشق سمعه وبصره، وفيه مزيد عناية بالنص على نعمتي: السمع والبصر، فهما أشرف نعم الوجه.

فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ: تذييل يناسب المقام بخبر أريد به الإنشاء، فتبارك الرب، جل وعلا، أحسن الخالقين، وإن كان هو الخالق مطلقا، بخلاف غيره فإن خلقه مقيد بتحويل الشيء من صورة إلى صورة لا إحداثه من عدم.

*****

ومنه قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي كُلَّهُ دِقَّهُ وَجِلَّهُ وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ)

كله: إجمال.

وما بعده: بيان بالإطناب بذكر أفراد من طباق الإيجاب:

دِقَّهُ وَجِلَّهُ، وَأَوَّلَهُ وَآخِرَهُ، وَعَلَانِيَتَهُ وَسِرَّهُ.

ومقام مناجاة الخالق، عز وجل، يناسبه الإطناب، فمن ذلك:

قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا)، فيغني عن كل ما ذكر قوله: (لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا)، كما ذكر بعض أهل العلم المعاصرين، ولكن لما كان المقام مقام إطناب ناسب أن يعدد تقسيمات الناس: عمرا وجنسا وحضورا.

ومنه أيضا:

حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ)

فيغني عن كل التقسيمات المذكورة قوله: (بكل اسم هو لك).

وقوله: (سميت به نفسك): صفة كاشفة لا مفهوم لها، فلا يقال بأن من أسماء الله، عز وجل، ما سمى بها نفسه، ومنها ما سماه بها غيره، لأن باب الأسماء والصفات توقيفي محض، وإنما جيء بها توكيدا كما في:

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)، فلا مفهوم لقوله: (لِمَا يُحْيِيكُمْ) ليقال بأن من أوامر الله، عز وجل، وأوامر رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما يحيي، فتجب إجابته، ومنها ما يميت فلا تجب إجابته، فأوامرهما كلها: حياة لروح المكلف وبدنه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير