تشبيه الغفران بالغسل: وهو تشبيه مرسل على أصله، وفيه إشعار بأن الأصل في فطرة الإنسان: الاستقامة، وفي حديث عياض بن حمار، رضي الله عنه، مرفوعا: (وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمْ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا).
فكما أن الأصل في الثوب: البياض، فإذا عرض للأول: الذنب، وعرض للثاني: الدنس، كان التطهير إزالة للعارض ورجوعا إلى الأصل.
اللَّهُمَّ اغْسِلْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ:
إطناب في ذكر المطهرات وتوارد أكثر من مطهر على محل واحد مظنة التنقية.
*****
وحديث: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ)، وهو مروي عند مسلم، رحمه الله، موقوفا على عمر، رضي الله عنه، ومثله لا يقال بالرأي، إذ الأذكار توقيفية، لا اجتهاد فيها فمدار أمرها على النقل الصحيح.
سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ: تحلية بعد تخلية، فالتسبيح نفي النقص، والحمد: إثبات الكمال، والجمال منه تحديدا، فالمحمود: ممدوح بصفات الجمال من رأفة ورحمة ......... إلخ.
وتبارك اسمك وتعالى جدك: إطناب في المدح بالإثبات، إذ الإثبات أصل في هذا الباب، وهو طريقة الرسل، عليهم الصلاة والسلام، فإن الممدوح كلما ظهرت خصاله الحميدة: زاد كمالا على كمال، بخلاف نفي النقائص، فإنه وإن دل على إثبات كمال ضدها، في هذا الباب، إلا أن المدح فيها تبع لا أصل، فتدل عليه: دلالة لزوم لا مطابقة أو تضمن، وما كان فيه المدح بالإثبات أصلا أولى في المدح مما كان فيه تبعا، والله، عز وجل، أحق من مُدِح، لكمال صفاته العلية، فله المثل الأعلى في السماوات والأرض.
ولا إله غيرك: حصر حقيقي للألوهية الحقة في الله، تبارك وتعالى: المعبود الحق.
*****
وقول علي رضي الله عنه: (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَنْتَ رَبِّي وَأَنَا عَبْدُكَ ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ).
وجهت وجهي: جناس، وتوجيه الوجه: من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل، وإنما خص الوجه لأنه أشرف أجزاء البدن، فإذا توجه الوجه أصلا، توجهت بقية الأعضاء فرعا عليه، كما هو حال القلب، كما في حديث: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ). والوجه مرآة القلب، فإذا توجه القلب توجه الوجه، وتوجهت بقية الأعضاء من باب أولى، وفي ذلك دليل على صحة مقالة أهل السنة في مسألة الإيمان: إذ انقياد الأعضاء لا يكون إلا بالعمل، فدل ذلك على دخول العمل في مسمى الإيمان الذي يشمل الانقياد والخضوع بـ: القلب واللسان والجوارح.
لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ:
للذي فطر: بيان بالصلة بعد إجمال الموصول، فيفيد تعليق استحقاق الخضوع والانقياد لمن اتصف بما دلت عليه الصلة من فَطْرِ السماوات والأرض، فمن أبدع هذا الكون، على غير مثال سابق، هو، وحده، جل وعلا، المستحق للعبادة، ففيه ترتيب عقلي بديع لاستحقاق الألوهية فرعا على الربوبية وهو أمر مطرد في آي الكتاب المنزل.
حنيفا: قيد للفعل، وصف لفاعله.
¥