تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وما أنا من المشركين: تذييل مؤكد لمعنى الحنيفية، فالحنيف مائل عن الشرك، ومع ذلك ذيل تأكيدا بما يفيد البراءة التامة من المشركين.

إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ:

حصر لجميع أحوال المكلف التي دلت عليها تقسيمات: (الصلاة والنسك)، فجمع بها كما قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، رحمه الله، أشرف عبادتين: الصلاة: العبادة البدنية، والنسك: العبادة المالية، و: (المحيى، والممات)، ولا وسطة بينهما، فشمل بذلك كل أحوال المكلف سواء أكانت دينية أم دنيوية، فهو أعم من التقسيم الأول، فيكون الأول شاملا لأمور الدين: بتعريف عبادة البدن بمثال الصلاة وتعريف عبادة المال بمثال النسك، والتعريف بالمثال لا يخصص عموم المُعَرَف، كما قرر أهل العلم، فهو من باب التقريب لا الحد الجامع المانع، ويكون التقسيم الثاني شاملا لكل أمور المكلف: دينا ودنيا، فهو أعم من الأول فآلت الصورة إلى صورة: العموم بعد الخصوص، عموم حال المكلف: دينا ودنيا بعد خصوص حاله: دينا، وإنما أفرد أمر الدين بالذكر لأنه غاية خلق العباد، فهو مقصود لذاته، مصداق قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، بخلاف أمر الدنيا، فهو مما يستعان به على إقامة أمر الدين، فيكون من المقصود لغيره، والغاية أشرف من الوسيلة كما قرر أهل العلم.

ولقائل أن يقول: إن النسك ليس عبادة محضة فللناسك أن يطعم من نسكه، فيكون له حظ من أمر الدنيا، فيكون في التقسيم الأول: بيان أمر الدين أصلا والدنيا فرعا.

لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ: لام الاختصاص، فلا تكون الحياة: دينا ودنيا إلا لمن وهبها ابتداء فهو أحق بها انتهاء.

رب العالمين: علة ما بعدها.

لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ:

"لا شريك له": معلول ما قبله، فلا شريك له في ألوهيته فرعا على تفرده بالخلق والملك والتدبير والرزق والإحياء والإماتة .......... إلخ من خصائص الربوبية، والربوبية، وإن كانت أشرف باعتبار تعلقها بأفعال الرب، جل وعلا، وأفعاله الكاملة أشرف من أفعال عباده التي يعتريها من النقص والخطأ ما يعتريها إلا من عصمه الله، عز وجل، من الأنبياء والمرسلين، عليهم الصلاة والسلام، ولا تصل أفعالهم بذلك إلى منزلة أفعال الرب، جل وعلا، فهم، وإن علت منازلهم: مخلوقون مربوبون، لم يصلوا إلى تلك المنزلة الرفيعة إلا باصطفاء الله، عز وجل، لهم، فنبوتهم وهبية لا كسب فيها، فـ: (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)، فكيف يسوى بينهم وبين خالقهم؟!!!، فما ظنك بمن دونهم من أئمة وأولياء، بل وأشجار وأحجار؟!!، كيف ساغت تسويتهم برب البشر، وفي التنزيل: (مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ)

الشاهد أن: الربوبية، وإن كانت أشرف من جهة تعلقها بأفعال الرب، عز وجل، إلا الألوهية آكد من جهة تعلقها بأفعال العبد، فتوحيد الرب، جل وعلا، أول واجب على العبيد، فهو مقصود: قصد غايات، فبتوحيد الربوبية: توحيد الله بأفعاله، وبتوحيد الله في أسمائه وصفاته، يتوسل إلى مراد الرب، جل وعلا، من عباده، فهما وسيلة إلى أشرف الغايات، وإن كانا في نفسيهما أشرف باعتبار تعلقها بأسماء الرب، جل وعلا، ونعوت كماله، وحكيم أفعاله.

وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ: إشارة بـ: "ذلك"، إشارة البعيد لما تقدم، لبيان عظم منزلته وعلو شأنه.

وأنا من المسلمين: تذييل مؤكد على معاني الاستسلام والانقياد التي تقدم ذكرها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير