تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

اللَّهُمَّ أَنْتَ الْمَلِكُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ: أنت أنت الملك: حصر بتعريف الجزأين، فأنت الملك لا ملك سواك، فكل مُلك عدا ملكك مقيد، فلك الملك المطلق، فأفاد السياق ربوبية، هي مقتضى المُلك، ذيلت بلازمها من الألوهية: "لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ"، و "أنت": ضمير مخاطب يفيد استحضار المعبود في قلب العابد، فإن لم تره العيون بالأبصار فقد رأته قلوب العارفين بالبصائر، وهذا مقام المشاهدة: أعلى مقامات الإحسان، وقد تكرر في صدر الكلام: "أنت الملك"، وفي عجزه: "لا إله إلا أنت" فأفاد: استحضار مقام المعبود، جل وعلا، ربوبيةً وألوهيةً.

أَنْتَ رَبِّي: حصر بتعريف الجزأين: فأنت ربي لا رب لي سواك.

وَأَنَا عَبْدُكَ: حصر باعتبار مفعول العبد لا عينه، فعبادك غيري كثير، فأنا عبدك عبودية خضوع لقدرك وانقياد لأمرك، عبودية تكوين وتشريع: محياي ومماتي، قيامي وقعودي .......... إلخ، لك وحدك.

ظَلَمْتُ نَفْسِي وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِي: إطناب بإظهار التذلل والإقرار بالخطيئة، فالاعتراف بالذنب أولى خطوات التوبة.

فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي جَمِيعًا: دقها وجلها، ومن ثم ورد سؤال مقدر، وما علة طلب سؤال المغفرة من الرب، جل وعلا، دون سواه؟

والجواب: إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ: وفيه استحضار آخر أفاده ضمير المخاطب.

وهذا ما اصطلح البلاغيون على تسميته: "شبه كمال الاتصال"، وهو أمر مطرد في الجمل الاستئنافية التي يراد بها تعليل ما قبلها، إذ تكون جوابا لسؤال مقدر يقتضيه السياق.

وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ:

مقابلة بين شطري القسمة العقلية للأخلاق، فإما حسن يطلب، وإما سيئ يدفع.

لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ:

يقول الحافظ، رحمه الله، في "الفتح":

"اللَّبّ بِفَتْحِ اللَّام مَعْنَاهُ هُنَا الْإِجَابَة، وَالسَّعْد الْمُسَاعَدَة، كَأَنَّهُ قَالَ: لَبًّا لَك وَإِسْعَادًا لَك؛ وَلَكِنَّهُمَا ثُنِّيَا عَلَى مَعْنَى التَّأْكِيد وَالتَّكْثِير، أَيْ: إِجَابَة بَعْد إِجَابَة وَإِسْعَادًا بَعْد إِسْعَاد"

فالتثنية غير مقصودة لذاتها، وإنما هي توكيد وتكثير، على وزان قوله تعالى: (ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ)، والبصر لا ينقلب خاسئا من رجوعه كرتين، وإنما من رجوعه كرات وكرات ويدل على ذلك، أيضا، التكثير المستفاد من صيغة المبالغة: "حسير"، فيقال هنا أيضا: التثنية دالة على إقبال العبد على ما يرضي ربه وسرعة امتثاله، وقد مدح الله، عز وجل، أقواما على سرعة استجابتهم للأمر الشرعي فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ).

وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدَيْكَ وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ: مقابلة بين الخير والشر، فالأول لك كونا وشرعا، والثاني ليس إليك شرعا، وإن قدرته كونا، فالشر في ذات المقدور لا في قدر الله، عز وجل، الذي هو فعله، ففعله كله خير، وقضاؤه كله بر، وإنما الشر مقصود لغيره، فبه يستجلب من الخيرات ما يستجلب، كالمرض يستجلب به من التوبة والاستغفار والانكسار ما لا يستجلب حال الصحة.

أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ: استسلام تام للخالق، عز وجل، فلا مالك ولا ناصر لي سواك، فأنا بك: كونا فأنت القيوم القائم بذاته المقيم لغيره وشرعا فمن وحيك غذاء روحي ومن شرعك زكاة جوارحي، وأنا إليك: كونا، فما قدرته علي كائن لا محالة، وشرعا، فأنا على أمرك وأمر رسولك صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما استطعت.

تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ: إطناب يناسب مقام الثناء.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير