تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ: إطناب آخر يناسب مقام الدعاء، على القول بأن التوبة مرادفة الاستغفار، ومن قال بأن: الاستغفار لما فات، والتوبة لما هو آت، فهي عنده من دلالة "الاقتران والافتراق"، فاستوفيا شطري القسمة العقلية: الماضي، والمستقبل وألحق به الحاضر بداهة، فهو في حال دعائه تائب مقلع، ودلالة "الاقتران والافتراق" بين اللفظين: مما اطرد في لغة العرب، وإليه يشير أهل العلم بقولهم عن اللفظين محل البحث: إذا اجتمعا افترقا، فيفيد كل منهما معنى غير الذي يفيده الآخر فتكون دلالته على معناه مطابقة، وإذا افترقا اجتمعا، فيدل كل منهما على معناه وعلى معنى اللفظ الآخر: تضمنا، لشموله عند إفراده بالذكر كليهما.

كما قيل في لفظي:

الإسلام والإيمان:

فعند الاقتران: يدل الإيمان على أعمال الباطن، ويدل الإسلام على أعمال الظاهر، وتكون دلالة كل منهما على مدلوله: دلالة مطابقة لا يدخل فيها مدلول الثاني، فلا يكون الإسلام حينئذ دالا على عمل الباطن، وكذلك الإيمان: لا يدل حينئذ على عمل الظاهر، وحديث جبريل عليه الصلاة والسلام أصل في هذا النوع، إذ فسر الإسلام بأعمال الظاهر، وفسر الإيمان بأعمال الباطن.

وعند الافتراق: يدل كل منهما على معناه ومعنى الآخر: تضمنا، فيكون مدلول كل من: الإسلام والإيمان، على انفراده، حينئذ مزدوجا يتضمن: الباطن والظاهر، وحديث وفد عبد القيس أصل في هذا النوع إذ فسر الإيمان لما انفرد بمدلول الإسلام من أعمال الظاهر، ففيه: (أَتَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَحْدَهُ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَصِيَامُ رَمَضَانَ وَأَنْ تُعْطُوا مِنْ الْمَغْنَمِ الْخُمُسَ)، فصارت دلالته على عمل الظاهر: دلالة تضمن فضلا عن دلالته الأصلية على عمل الباطن، فهو مزدوج الدلالة عند انفراده كما تقدم.

يقول القرطبي رحمه الله:

"والأصل في مسمى الإيمان والإسلام التغاير، لحديث جبريل. وقد يكون بمعنى المرادفة: فيسمى كل واحد منهما باسم الآخر، كما في حديث وفد عبد القيس وأنه أمرهم بالإيمان بالله وحده وقال: (هل تدرون ما الإيمان)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تؤدوا خمسا من المغنم) الحديث. وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وسبعون بابا فأدناها إماطة الأذى وأرفعها قول لا إله إلا الله) أخرجه الترمذي. وزاد مسلم: (والحياء شعبة من الإيمان).

ويكون أيضا بمعنى التداخل وهو أن يطلق أحدهما ويراد به مسماه في الأصل ومسمى الآخر". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (4/ 41).

وكذلك القول في "الفقير" و "المسكين": فعند افتراقهما يدل كل واحد منهما على الآخر، وعند اقترانهما يستقل الفقير بمعنى، والمسكين بمعنى آخر، فالأول أشد حاجة من الثاني كما تقرر في كتب الفروع في بيان أصناف مستحقي الصدقة الواجبة في كتاب الزكاة، وفي التنزيل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

وكذلك "الكفر" و "الشرك": فإنهما إذا اقترنا دل كل منهما على معنى، فليس كل كفر شركا، وإن كان كل شرك كفرا، فالأول أعم من الثاني، فبينهما عموم وخصوص مطلق، فإذا اقترنا استقل الشرك بمعناه، واستقل الكفر ببقية صوره ما عدا الشرك، وإذا افترقا: دل الكفر على الشرك تضمنا، فشمله وشمل كل صور الكفر.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير