تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

و: "الكتاب" و "الحكمة"، فقد قال بعض أهل العلم: إن اقترنت "الحكمة" بـ: "الكتاب" فهي: "السنة"، وإن انفردت فهي: "القرآن"، كما في حديث عبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، مرفوعا: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا)، أو: الوحي عموما: قرآنا وسنة.

وأشار الحافظ، رحمه الله، إلى معنى كلي جامع فقال: "وقيل: المراد بالحكمة كل ما منع من الجهل وزجر عن القبيح". اهـ

وكذلك: "البر والتقوى" و "الإثم والعدوان".

وهكذا يقال في الاستغفار والتوبة: فإذا انفردا: ازدوجت الدلالة، وإذا اقترنا انقسمت.

ودلالة الاقتران والافتراق مما يستحق التتبع والاستقراء، وبها أزيلت كثير من الإشكالات، كإشكال دخول الأعمال في مسمى الإيمان، الإشكال الشهير بين أهل السنة من جهة، والمرجئة ومن تابعهم من متأخري المتكلمين من جهة أخرى، وعمدة الفريقين واحدة، وهي الآيات التي عطف فيها العمل على الإيمان من قبيل:

قوله تعالى: (وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ).

فالمرجئة والمتكلمون يقولون: العطف يقتضي التغاير، فالإيمان شيء والعمل شيء آخر، فإما أن يدل الإيمان على العمل دلالة لزوم، أو دلالة ثمرة، فيكون العمل ثمرة الإيمان، والثمرة ليست جزءا من الأصل.

وأهل السنة يقولون: العطف عطف خاص على عام، تنويها بذكره، فيكون داخلا في الإيمان تضمنا، ومن ثم أفرد بالذكر فدل على معناه مطابقة، فإذا أفرد الإيمان بالذكر تضمن أعمال القلوب والجوارح، وإذا اقترن بالعمل، استقل بأعمال القلوب، وانفردت مادة "العمل" التي اقترنت به بأعمال الجوارح، ولا يمنع ذلك، عند التحقيق، من دخولها في مسمى الإيمان، ولو اقترنت به: دخول خاص في عام، ذكر ضمنا، ثم أفرد بالذكر تنويها بشأنه على التفصيل المتقدم.

وليس كل عطف يقتضي المغايرة، وفي التنزيل: (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ)، وربهما واحد، وإن عطف الأول على الثاني، فالعطف هنا: عطف أوصاف لا ذوات، كما أثر ذلك عن الشافعي، رحمه الله، في احتجاجه على مرجئة زمانه.

والله أعلى وأعلم.

ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 03:59 ص]ـ

كل الشكر لكم أخي الفاضل على هذا التميُّز .... وهذه الوقفات البلاغية القيمة .....

ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 09 - 2008, 07:27 ص]ـ

ولك الشكر، وجزاك الله خيرا على طَيِب القول، ونفعك ونفع بك، وعذرا على التأخر في الرد.

ومن أذكار الاستفتاح أيضا:

حديث عائشة رضي الله عنها: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)

رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل: ربوبية خاصة فيها بيان:

شرف رؤساء الملائكة الثلاثة: جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فهم الموكلون بحياة الروح والأرض والبدن.

وعظم ربوبية خالقهم، جل وعلا، فإن من خلق هذا الخلق العظيم، الذي لا يعمل إلا بأمره الكوني، فهو من خشيته مشفق، وله خاضع مستسلم، من خلق هذا، قادر على خلق ما هو أضعف منه قوة، ففيه تنبيه بالأعلى على الأدنى، فإذا صحت ربوبية الله، عز وجل، لهم، صحت لمن دونهم من باب أولى، فهو رب العرش العظيم، ورب السماوات والأرض ومن فيهن، ورب كل شيء ومليكه له من الربوبية الخاصة والعامة أكملها، فكل ربوبية سوى ربوبيته ناقصة، فصاحبها عنها يزول ويأفل، والله، عز وجل، هو الرب الذي لا يزول ولا يأفل، فلا يغيب عنه مربوبه طرفة عينه، فبأمره الكوني يحفظه، وبأمره الشرعي يتعبده.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير