تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ: إطناب يناسب مقام الثناء على الرب جل وعلا. والمقابلة أو الطباق بين ثنائية: السماء والأرض، والغيب والشهادة: فيها من معاني الإحاطة التي تقتضيها الربوبية ما فيها، فلا شيء من الأعيان يخرج عن خلقه، ولا شيء من الأفعال يخرج عن علمه، والإضافة في: "فاطر السماوات" و "عالم الغيب": إضافة محضة لا لفظية للتخفيف، فهي تدل على دوام الاتصاف، بخلاف الإضافة اللفظية من قبيل: زيد ضارب عمروٍ، فهي حادثة بعد أن لم تكن، منقضية لا دوام لها فوصف الضرب زائل عن الضارب لا محالة، بخلاف وصف الفطر والعلم، فإنهما ثابتان الله، عز وجل، من الأزل، لم يستفد كمالا كان عنه معطلا، فله الكمال المطلق أزلا وأبدا.

يقول الآجري رحمه الله:

"لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء". اهـ

ويقول عثمان بن سعيد الدارمي رحمه الله:

"ولن يدخل الإيمان قلب رجل حتى يعلم أن الله تعالى لم يزل إلها واحدا بجميع أسمائه وصفاته لم يحدث له منها شيء كما لم تزل وحدانيته". اهـ

أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ:

أنت: استحضار لمقام المخاطب، فالداعي يراه بقلبه رؤية علمية وإن غابت عن عينه رؤيته البصرية في الدنيا، فإذا من عليه الباري، عز وجل، بدخول جنته اجتمع له من تمام الرؤيتين ما تقر بها عينه وتلذ بها نفسه، فالجنة دار النعيم الكامل: حسا ومعنى، فتمام اللذة الحسية بالنظر إلى وجهه الكريم، وتمام اللذة العلمية بمعرفة العبد من كمالات ربه، جل وعلا، المطلقة ما لم يعرفه في الدنيا، ومهما أوتي من عقل وقوة إدراك فلن يحيط بربه، جل وعلا، علما أو بصرا، مصداق قوله تعالى: (وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ)، فهذا في العلم، وقوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)، فهذا في البصر.

وفي الجملة توكيد بتكرار الفاعل: معنويا بارزا: "أنت"، فالمبتدأ فاعل في المعنى، ولفظيا مستترا في: "تحكم".

"ما": صيغة عموم، فكل خلاف بين العباد، فالله يفصله، وكل الخصوم على الرب، جل وعلا، واردة، وعن عدله صادرة، وفي التنزيل: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ).

و:

إلى دَيَّانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضي ******* وَعِنْدَ اللهِ تَجْتَمعُ الخُصُوْمُ

*****

وحديث ابن عباس رضي الله عنهما: (اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ فَاغْفِرْ

لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ)

اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:

لك الحمد: حصر بتقديم ما حقه التأخير، و "أل" في "الحمد": جنسية استغراقية، فله من المحامد أشرفها وأكملها، كما وكيفا.

أنت قيم السماوات: استحضار لمقام المخاطب على ما تقدم في الدعاء السابق.

قيم: مقام التدبير، فهو القائم على عباده، يقيم قلوبهم بالوحي، وأبدانهم بما تخرج الأرض، وهو قائم عليهم يحصي عليهم أعمالهم لئلا يكون للناس عليه حجة: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير