تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وَلَكَ الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:

إطناب بتكرار الحمد ثناءً، ولك ملك السماوات والأرض: مقام ملك أعيان خلقه.

وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ:

توكيد بتعريف الجزأين: "أنت"، و "نور السماوات" المعرف بالإضافة، يفيد الحصر والتوكيد فضلا عن مقام المشاهدة في "أنت" وقد تكرر مرارا.

فأنت خالق نورهما، وكل كمال في المخلوق فمن الخالق استمده، فهو أولى به، وفي حديث أبي موسى، رضي الله عنه، مرفوعا: (حِجَابُهُ النُّورُ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ).

فمن النور:

وصف ذاتي للباري، عز وجل، فلا ينفك عن وجهه الكريم وهو: "سبحات وجهه".

ومنه نور مخلوق: (نور الحجاب ونور الشمس ونور القمر ....... إلخ): ابتداء غايته خالقه، جل وعلا، فمنه استمد نوره، استمداد الحي أسباب الحياة من واهبها، جل وعلا، فليست حياة المخلوق هي حياة الخالق، وليس نور المخلوق نور الخالق، وإن كان الأول فرعا على الثاني.

وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ: إطناب مطرد في نص هذا الدعاء بتكرار حصر أجناس المحامد لله، عز وجل.

أَنْتَ مَلِكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ:

مقام ملك أفعال وأحوال خلقه، فهو المتصرف فيهم: خلقا ورزقا، إحياء وإماتة ............. إلخ، فقد قهرهم بربوبيته العامة، فلا تخرج ذرة من كونه عن مُلْكِه، ومِلْكِه، فهو المالك للأعيان الملك للأفعال والأحوال، وهو القيم: القائم بنفسه، المقيم لخلقه رزقا وإحصاء للأعمال، المالك لأعيانهم، الملك لأحوالهم، على التفصيل المتقدم،، فربوبيته عامة تامة.

وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ وَوَعْدُكَ الْحَقُّ وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وَقَوْلُكَ حَقٌّ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ حَقٌّ:

إطناب بتكرار الخبر "الحق"، ولو كان المقام مقام إيجاز لعد ذلك عيبا في الكلام، إذ يكفي في مقام الإيجاز أن تقول: أنت ووعدك ولقاؤك وقولك والجنة ................ كل ذلك: حق.

على طريقة:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وأَنْتَ بِمَا ******* عِنْدَكَ رَاض، وَالرَّأْيُ مُخْتَلِفُ

أي: نحن بما عندنا راضوان وأنت بما عندك راض، وإنما حذف من الأول لدلالة الثاني عليه، والقياس عكسه: الحذف من الثاني لدلالة الأول عليه.

وإطناب الحمد مطرد من أول الدعاء.

وفي: "أنت الحق": حصر بتعريف الجزأين، تقدم في أكثر من موضع، وفي "الجنة حق والنار حق": طباق بالإيجاب يعم داري يوم الدين.

وفي: "وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقٌّ": خصوص بعد عموم لبيان مقام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد ذكر أولا مع النبيين، فدل عليه اللفظ: تضمنا، ثم أفرد بالذكر تشريفا، فدل عليه اللفظ مطابقة، وفي ذلك من العناية بمقامه الرفيع ودرجته العالية ما فيه.

اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ:

صور من حصر أفعال المكلف وتجريدها للباري عز وجل من: إسلام وإيمان وتوكل وإنابة، فمقتضى الربوبية في صدر الدعاء: صرف كل أنواع التأله له، فالربوبية ملزوم الألوهية، والألوهية لازمها.

وبعد دعاء الثناء:

دعاء المسألة:

فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ:

مقابلة بين: "التقديم والتأخير"، و "الإسرار والإعلان" لتعم كل أحوال المكلف.

أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ:

حصر بتعريف الجزأين في كلا الشطرين، وفيهما من المقابلة ما يدل على عموم مشيئته فمن شاء قدمه ومن شاء أخره، وما شاء من الأفعال قدمه: كونا أو شرعا، وما شاء منها أخره: كونا أو شرعا.

مع استحضار مقام المخاطب بالضمير "أنت"، فهو أمر مطرد، من بداية الدعاء، كما تقدم، وكأن السامع قد استحضر مقام القرب في قوله تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ).

لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ: تذييل يناسب المقام فيه من صورة الخطاب ما اطرد في هذا الدعاء، فلم يلتفت عنه الداعي، فهو مقبل في أوله وأوسطه وآخره على ربه جل وعلا.

*****

ومن حديث حذيفة رضي الله عنه: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا، ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ

اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا: إخبار بعد إخبار فحمله على التأسيس أولى من حمله على التوكيد.

ولما كان المقام مقام تكبير، والتكبير مظنة الجلال، أُتْبِع بصفات الجلال:

ذُو الْمَلَكُوتِ وَالْجَبَرُوتِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ، فالمقام مقام: تمجيد بالجلال لا تحميد بالجمال، ولكل مقام مقال.

فمن دعا بالمغفرة ناسب أن يستعمل في الثناء على ربه: صفات الجمال.

ومن دعا على ظالم أو جبار ناسب أن يستعمل في الثناء على ربه: صفات الجلال.

ومن أخطاء بعض الأئمة، كما ذكر بعض الفضلاء المعاصرين:

قولهم على سبيل المثال: اللهم اغفر لي يا جبار السماوات والأرض، فأتبع طلب المغفرة بصفة جلال، والمقام مقام جمال لا جلال.

وقولهم: اللهم أهلك الظلمة يا أرحم الراحمين، فأتبع الدعاء على الظلمة بصفة جمال، والمقام مقام جلال لا جمال.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير