تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

استحضار لمقامه، فإن غاب عنا بجسده وروحه الطاهرة، فهو باق فينا بشرعه وسنته الظاهرة، ظهور حجة وبرهان، فلا يزيغ عنها إلا هالك، ولا يطعن فيها إلا مارق، ما ترك خيرا إلا دلنا عليه، ولا شرا إلا حذرنا منه، بين لنا الدين: علما وعملا، أصلا وفرعا، فاستغنينا برسالته عن أقوال النظار والمتكلمين، وكشوف العارفين الملهمين، وأذواق الفقراء السالكين.

وقال العلماء في تفسير قوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ): إنما يكون الرد إليه بالرجوع إليه في حياته، وإلى سنته بعد مماته.

وقالوا في تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، إنما يكون التقدم بين يديه بعد موته بتقديم قول غيره على قوله.

يقول ابن تيمية، رحمه الله، في معرض بيان مقامه المنيف صلى الله عليه وعلى آله وسلم:

"وَقَالَ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ: {إنَّ اللَّهَ نَظَرَ إلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إلَّا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} وَهَذَا الْمَقْتُ كَانَ لِعَدَمِ هِدَايَتِهِمْ بِالرُّسُلِ فَرَفَعَ اللَّهُ عَنْهُمْ هَذَا الْمَقْتَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَعَثَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَمَحَجَّةً لِلسَّالِكِينَ وَحُجَّةً عَلَى الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ وَافْتَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ طَاعَتَهُ وَمَحَبَّتَهُ وَتَعْزِيرَهُ وَتَوْقِيرَهُ وَالْقِيَامَ بِأَدَاءِ حُقُوقِهِ وَسَدَّ إلَيْهِ جَمِيعَ الطُّرُقِ فَلَمْ يَفْتَحْ لِأَحَدٍ إلَّا مِنْ طَرِيقِهِ وَأَخَذَ الْعُهُودَ وَالْمَوَاثِيقَ بِالْإِيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ عَلَى جَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهَا عَلَى مَنْ اتَّبَعَهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ. أَرْسَلَهُ اللَّهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا فَخَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ؛ وَهَدَى بِهِ مِنْ الضَّلَالَةِ؛ وَعَلَّمَ بِهِ مِنْ الْجَهَالَةِ وَفَتَحَ بِرِسَالَتِهِ أَعْيُنًا عُمْيًا وَآذَانًا صُمًّا وَقُلُوبًا غُلْفًا فَأَشْرَقَتْ بِرِسَالَتِهِ الْأَرْضُ بَعْدَ ظُلُمَاتِهَا؛ وَتَأَلَّفَتْ بِهَا الْقُلُوبُ بَعْدَ شَتَاتِهَا فَأَقَامَ بِهَا الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ وَأَوْضَحَ بِهَا الْمَحَجَّةَ الْبَيْضَاءَ وَشَرَحَ لَهُ صَدْرَهُ؛ وَوَضَعَ عَنْهُ وِزْرَهُ؛ وَرَفَعَ ذِكْرَهُ؛ وَجَعَلَ الذِّلَّةَ وَالصَّغَارَ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ أَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنْ الرُّسُلِ وَدُرُوسٍ مِنْ الْكُتُبِ حِينَ حُرِّفَ الْكَلِمُ وَبُدِّلَتْ الشَّرَائِعُ وَاسْتَنَدَ كُلُّ قَوْمٍ إلَى أَظْلَمِ آرَائِهِمْ وَحَكَمُوا عَلَى اللَّهِ وَبَيْنَ عِبَادِهِ بِمَقَالَاتِهِمْ الْفَاسِدَةِ وَأَهْوَائِهِمْ فَهَدَى اللَّهُ بِهِ الْخَلَائِقَ وَأَوْضَحَ بِهِ الطَّرِيقَ وَأَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ؛ وَأَبْصَرَ بِهِ مِنْ الْعَمَى؛ وَأَرْشَدَ بِهِ مِنْ الْغَيِّ وَجَعَلَهُ قَسِيمَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَفَرَّقَ مَا بَيْنَ الْأَبْرَارِ وَالْفُجَّارِ؛ وَجَعَلَ الْهُدَى وَالْفَلَاحَ فِي اتِّبَاعِهِ وَمُوَافَقَتِهِ وَالضَّلَالَ وَالشَّقَاءَ فِي مَعْصِيَتِهِ وَمُخَالَفَتِهِ. وَامْتَحَنَ بِهِ الْخَلَائِقَ فِي قُبُورِهِمْ فَهُمْ فِي الْقُبُورِ عَنْهُ مَسْئُولُونَ وَبِهِ مُمْتَحِنُونَ". اهـ

فالحمد لله الذي مَنَ على المؤمنين إذ بعث فيهم خاتم المرسلين، فاختصهم بتلك الكرامة، ووعدهم العزَ والتمكين إن هم ساروا على طريقة النبي الأمين، فإن حادوا عن طريقه، فلا أنساب بين الله، عز وجل، وعبيده. فالذل والصغار على من خالف شرعته، وإن كان مسلما يزعم محبته.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير