تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما رواية ابن ماجه فلا يصح فيها نسب عروة من طريق ابن أبي شيبة، والذي أراه أنه وقع منسوبا عنده من طريق علي بن محمد فقرن السند وحمل رواية أبي بكر على رواية علي بن محمد واعتبرها زيادة ثقة تفسر ما جاء مبهما في حديث أبي بكر بن أبي شيبة رحمه الله، ولا يصح هذا بحال (أي اعتبارها زيادة ثقة) فأين علي بن محمد من الأئمة الذين ذكرنا حتى يحكم له عليهم، والله تعالى أعلم. قلت: وهذا الجمع بين رواية المصنَّف ورواية ابن ماجه أولى من القول بتعارضهما وتوهيم الأئمة الثقات فيما أرى والله تعالى أعلم.

وأما رواية الإمام أحمد رحمة الله عليه فيقع في قلبي أنها خطأ، ولا أستطيع الجزم فيها بشيء ـ (غير أن الأئمة الجهابذة رحمة الله عليهم جزموا بأن حبيبا لم يسمع من عروة بن الزبير كما تقدم) ـ فقد يكون الوهم فيها من القطيعي أو عبد الله أو الإمام أو وكيع أو الأعمش، غير أني أميل إلى أنها خطأ من النساخ ومما يقوي هذا عندي أني لم أرَ أحدا ممن قوى هذا الحديث استدل برواية الإمام أحمد رحمة الله عليه، ولا يخفى على أمثالهم مراجعة المسند هذا إن لم يكونوا حفظوه، مع العلم أن الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى عزاه لمسند أحمد (21) وأشار إلى رواية عروة بن الزبير منسوبا عند ابن ماجه والدارقطني رحمهما الله تعالى (22) ولا يخفى على من تأمل هذا أن الحافظ رحمه الله وقف على رواية الإمام أحمد ولم يره فيها منسوبا، وهذا أغلب الظن و إلا فلا يخفى عليه الاستدلال بها؟! وقد يجاب عما أقول بنسيان الحافظ لها، فأقول هو محتمل وإن كان بعيدا فيما أرى، لأن الحافظ رحمه الله يناقش مسألة هامة عرف الخلاف فيها قديما وحديثا، وعلى أي حال فلو سلمنا أن هذه الرواية فاتت الحافظ ابن حجر رحمه الله فهل فاتت الإمام الزيلعي رحمه الله تعالى أيضا؟! مع العلم أنه يستدل لمذهبه، وقد ذَكر رواية ابن ماجه ليبين أن عروة هو ابن الزبير (23) وإن ذِكره لرواية أحمد مما يقوي مقالته، الذي أراه أن الزيلعي لم يذكر رواية أحمد لأنها كما قلت ليس فيها نسب عروة، والله تعالى أعلم.

قلت: والحاصل أن محل الإشكال في هذا الحديث هو عروة الراوي عن عائشة رضي الله تعالى عنها، هل هو ابن الزبير أو المزني؟

الذي رجحه الأئمة المعتبرون أنه المزني وهو مجهول لا يعرف، ولا يغتر بقول من قال إنه ابن الزبير.

قلت: فإن قال قائل: أسندَ الترمذي رحمه الله تعالى في العلل (24) إلى الثوري إسنادا مجملا يروي فيه مذهب سفيان رحمه الله تعالى وأقواله، وقد قال في السنن عقب الحديث: وهو قول سفيان وأهل الكوفة، قالوا ليس في القبلة وضوء، فكيف قال بهذا وحكم بأن عروة هو المزني وليس ابن الزبير؟

قلنا: كون الثوري رحمه الله تعالى أثبت أنه المزني شيء، وكونه أخذ بهذا الحديث أو لازِمه شيء آخر، ولا تلازم بين المسألتين، وهذا لا يخفى على من آتاه الله الفهم، والله تعالى أعلم.

ثانيا: حديث سفيان عن أبي روق عن إبراهيم التيمي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ. روي بألفاظ متقاربة كلفظ الأصل.

تفرد بهذا الحديث أبو روق عطية بن الحارث الهمداني، وليس هو ممن يحتمل تفرده بالجملة، فكيف وقد تفرد عن التيمي بما لم نجده عند الأعمش وهو من كبار أصحابه الذين جمعوا حديثه؟! قال أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم رحمه الله تعالى: حدثني أبي عن أحمد الدورقي نا عبد الرحمن بن مهدي قال قيل لشعبة متى يترك حديث الرجل؟ قال إذا حدث عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثا غلطا مجتمعا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طرح حديثه، وما كان غير ذلك فارووا عنه (25).

واختلف على أبي روق فيه، فرواه عنه سفيان الثوري وأبو حنيفة كلاهما أرسله، إلا أن سفيان رحمه الله قال عن عائشة رضي الله تعالى عنها (26) وأبو حنيفة رحمه الله قال عن حفصة رضي الله تعالى عنها (27) قلت: والمشهور عن حفصة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم (28) ولعل الحمل في هذا الحديث على يحيى بن نصر بن حاجب الراوي عن أبي حنيفة والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير