قلت: ولم يتفرد ابن إسحاق عن يحيى بن أبى سفيان، بل تابعه عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس الحجازى، وهو ممن احتج بهم مسلم فى ((صحيحه))؛ روى له حديثاً فى فضل المدينة ((من أراد أهل هذه البلدة بسوء أذابه الله)).
فقد أخرج البخارى ((التاريخ الكبير)) (1/ 161)، وأبو داود (1741)، والفاكهى ((أخبار مكَّة)) (1/ 411/885)، وأبو يعلى (12/ 359/6923)، والطبرانى ((الأوسط)) (6/ 319/6515)، والدارقطنى ((2/ 283/210)، والبيهقى ((الكبرى)) (5/ 30) و ((شعب الإيمان)) (3/ 448/4027)، وابن عبد البر ((التمهيد)) (15/ 146)، وأبو نصر بن ماكولا ((تهذيب مستمر الأوهام)) (1/ 173)، والمقدسى ((فضائل بيت المقدس)) (59) من طرق عن محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن يحيى بن أبى سفيان عن جدته حكيمة عن أم سلمة أنها سمعت رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وسلَّم يقول: ((من أهلَّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام، غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة))، شك عبد الله أيتهما قال.
وقال أبو داود: ((يرحم الله وكيعا أحرم من بيت المقدس يعني إلى مكة)).
قلت: هكذا رواه جماعة أكثرهم ثقات أثبات: أحمد بن صالح الطبرى، وأبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح، وأبو عتبة أحمد بن الفرج الحمصى، وسعيد بن سليمان سعدويه، وأبو الفضل صالح بن مسمار وعباد بن موسى الختلى، وعلى بن محمد بن معاوية، وهارون بن عبد اللَّه الحمال؛ جميعاً ((عن محمد بن إسماعيل بن أبى فديك عن عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن يحنَّس))، وخالف جماعتهم أبو يعلى محمد بن الصلت، فقال ((محمد بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن أبى سفيان الأخنسى))، وهو وهم.
قال البخارى ((التاريخ الكبير)) (1/ 161/477): ((محمد بن عبد الرحمن بن يحنَّس عن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة بنت أمية عن أم سلمة سمعت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من أهل بحجة أو عمرة من مسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه)) حدثناه أبو يعلى محمد بن الصلت عن ابن أبي فديك)).
قلت: ولم يتفرد ابن أبى فديك عن ابن يحنََّس، بل تابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردى عنه، إلا أنه قال ((عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان))، وأراه خطأً من النسَّاخ، كما سأبينه.
فقد أخرجه الطبرانى ((الكبير)) (23/ 361/849)، ومن طريقه ابن عبد الغنى ((تكملة الإكمال)) (1/ 171) عن يحيى بن بكير ويحيى بن عبد الحميد الحمانى، كلاهما عن الدراوردى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن عثمان عن يحيى بن أبى سفيان عن جدته حكيمة عن أم سلمة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من أهلَّ من بيت المقدس غفر له ما تقدم من ذنبه)).
ولكن أخرجه المزى ((تهذيب الكمال)) (31/ 360) من طريق أبى بكر بن ريذة عن الطبرانى به، فقال ((عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنَّس))، وهو الصحيح كرواية محمد بن إسماعيل بن أبى فديك.
قلت: والخلاصة، فالحديث ثابت صحيح، وأمثل أسانيده ((ابن إسحاق ثنى سليمان بن سحيم عن يحيى بن أبى سفيان عن أمِّه حُكيمة عن أم سلمة))، كما رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان وصحَّحه.
وأما الشيخ الألبانى ـ طيب الله ثراه ـ، فقد قال فى ((الضعيفة)) (1/ 248/211): ((وعلته عندى حكيمة هذه، فإنها ليست بالمشهورة، ولم يوثقها غير ابن حبان، وقد نبهنا مراراً على ما فى توثيقه من التساهل، ولهذا لم يعتمده الحافظ، فلم يوثقها، وإنما قال فى ((التقريب)): ((مقبولة)) يعنى عند المتابعة، وليس لها متابع هاهنا، فحديثها ضعيف غير مقبول، وهذا وجه الضعف عندى)) اهـ.
فقد بان أن الشيخ الألبانى ـ رحمه الله ـ احتج لقوله بتضعيف حديث حُكيمة بثلاثة أدلة:
(الأول) أنها ليست مشهورة.
(الثانى) أنه لم يوثقها غير ابن حبان.
(الثالث) قول ابن حجر عنها ((مقبولة))، وأنها لم تتابع.
فإن كانت هذه الأدلة كافية فى الحكم على حديثٍ ما بالضعف، فلماذا عكس الشيخ الألبانى الأمر، فجعلها هى أدلة التصحيح لعددٍ لا يحصى من الأحاديث فى ((صحيحته)) وفى ((الإرواء))؟!.
¥