عز وجل ((وأتموا الحج والعمرة لله))، قالوا: إتمامها أن تحرم من دويرة أهلك.
وأحرم ابن عمر وابن عباس من الشام، وأحرم عمران بن حصين من البصرة، وأحرم عبد الله بن مسعود من القادسية. وكان الأسود، وعلقمة، وعبد الرحمن بن يزيد، وأبو إسحاق يحرمون من بيوتهم)) اهـ.
وقال أبو بكر بن المنذر ((الأوسط)): ((أجمع أهل العلم على أن من أحرم قبل الميقات أنه محرم، ولكن الأفضل الإحرام من الميقات ويكره قبله)).
وشذَّ ابن حزم الظاهرى كعادته، فأبطل حجَّ وعمرة من أحرم قبل ميقاته، وشنَّع على من اقتدى بهؤلاء النفر من الصحابة الذين أحرموا من محالهم وبلدانهم، وفيهم الفقهاء الرفعاء الكبراء الذين يقتدى بفعالهم، ويؤتسى بأحوالهم، فقال فى ((المحلى)) (7/ 70): ((فإن أحرم قبل شئ من هذه المواقيت، وهو يمر عليها، فلا إحرام له، ولا حج له، ولا عمرة له، إلا أن ينوي إذا صار في الميقات تجديد إحرام، فذلك جائز، وإحرامه حينئذ تام وحجه تام وعمرته تامة. ومن كان من أهل الشام أو مصر، فما خلفهما، فأخذ على طريق المدينة، وهو يريد حجا أو عمرة، فلا يحل له تأخير الإحرام من ذي الحليفة ليحرم من الجحفة، فإن فعل فلا حج له، ولا إحرام له، ولا عمرة له، إلا أن يرجع إلى ذي الحليفة، فيجدد منها إحراما، فيصح حينئذ إحرامه وحجه وعمرته))!!. وعلامتى التعجب عقب ما ذكره علامَّة الأندلس تغنى عن تكلف الرد على هذا الشذوذ.
وأما إمام المحدثين ـ عليه سحائب الرحمة وشآبيب المغفرة ـ، فقد أخذ بقول المانعين، وليس يخفاه ما ورد عن على بن أبى طالبٍ، وأبى موسى، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس وغيرهم، من المجوزين.
وأما الإحرام من بيت المقدس خاصةً وما فيه من الفضل والثواب، فقد فعله ابن عمر، وعتبان بن مالك، وأما ابن عباس فمن الشام من موضع قريب منه.
قال ابن أبى شيبة (3/ 124/12674): ثنا حفص بن غياث عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أنه أحرم من بيت المقدس.
وقال إمام الأئمة أبو عبد الله الشافعى ((الأم)) (7/ 253): ((الإهلال من دون الميقات. قال الربيع: سألت الشافعي عن الإهلال من دون الميقات؟، فقال: حسن، قلت له: وما الحجة فيه؟، قال: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه أهل من إيلياء ـ يعنى المقدس ـ.
وإذا كان ابن عمر روى عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم: أنه وقت المواقيت، وأهلَّ من إيلياء، وإنما روى عطاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما وقت المواقيت قال: يستمتع الرجل من أهله وثيابه حتى يأتي ميقاته. فدل هذا على أنه لم يحظر أن يحرم من ورائه، ولكنه يؤمر أن لا يجاوزه حاجٌ ولا معتمرٌ إلا بإحرام)) اهـ.
[وأما الثانى] وهو قول الحافظ الزكى المنذرى ـ طيَّب الله ثراه ـ: ((اختلف الرواة في متنه وإسناده اختلافا كثيراً))، وقول الحافظ شمس الدين ابن القيم ـ قدَّس الله روحه ـ: ((اضطربوا في متنه وإسناده اضطرابا شديداً)). فقد وقع الجواب عن هذا الاعتراض فى ثنايا البحث، حيث قلت: ((وقد جوَّد إسنادَ هذا الحديث إبراهيمُ بن سعد الزهرى أبو إسحاق المدنى عن ابن إسحاق، وصرَّح ابن إسحاق بالسماع، فزالت تهمة تدليسه، وأتقن متنه. وتابعه عن ابن إسحاق على هذا الوجه: سلمة بن الفضل، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى من رواية محمد بن يحيى القطعى، وعياش بن الوليد عنه)). وقلت فى خاتمة التخريج: ((وأمثل أسانيده ((ابن إسحاق ثنى سليمان بن سحيم عن يحيى بن أبى سفيان عن أمِّه حُكيمة عن أم سلمة))، كما رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان وصحَّحه)).
وبيان ذلك أن الاضطراب الذى يعلُّ الحديث ويُحكم معه على الحديث بالضعف، هو الذى لا يمكن معه ترجيح إحدى وجوه الرواية، أما إذا ترجحت إحدى الروايات كما هاهنا فالاضطراب منتف، والحديث ثابت بالرواية الراجحة. ألم يقل الإمام الجهبذ زين الدين العراقى فى ((الألفية)) الموسومة بـ ((التبصرة والتذكرة)):
مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحَدٍ فَأزْيَدَا
في مَتْنٍ أوْ في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ أَمَّا إِنْ رَجَحْ
بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[أبو عبدالله الجبوري]ــــــــ[12 - 08 - 10, 05:22 م]ـ
جزاكم الله خيرا ...
يشكل علينا في حال تصحيح الحديث مايلي:
1. المسجد النبوي خير وأفضل من المسجد الأقصى ومع ذلك فلم يحرم النبي، صلى الله عليه وسلم، منه وإنما أحرم من ذي الحليفة.
2. في حياة النبي، صلى الله عليه وسلم، كان المسجد الأقصى في دار الحرب، فهل يشجع الرسول، عليه السلام، المسلمين على السفر إلى المسجد الأقصى في مثل تلك الحال؟ وهل لهذا نظائر في سنته؟
والله أعلم