تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[22 - 03 - 04, 07:13 م]ـ

أخى الحبيب الشيخ عبد الرحمن الفقيه

بديهتك حاضرة، فما شاء الله ولا قوة إلا بالله. ولكن لا يخفاك أن الجواب عن الاعتراضين المذكورين، سيما الاعتراض بدعوى اضطراب الإسناد، مبثوث فى ثنايا البحث، وإنما يحتاج إلى تدقيق يسير فى قراءة البحث، مع إمعان النظر فى مصادر التخريج، إذ لم يفوتُنى ذكرُ ما أورده إمام المحدثين فى ((تاريخه الكبير)) (1/ 161/477).

ثم ألم أقل فى أول البحث: ((هذا جوابٌ مقتضبٌ عن سؤالٍ عن حديث أم سلمة))، فها أنت تضطرنى إلى الخروج من الاقتضاب إلى الإسهاب، فليكن الأمر كما أردتُ، وليسعنى ويسعك ما وسع أئمتَنا الأعلامَ من المطارحات النافعة، والمباحثات الهادفة، فليس أحدٌ إلا يؤخذ منه ويرد عليه، فأقول بتوفيق الله وعونه:

أعلمُ ولا يخفى علىَّ أنَّه قد وقع الخلاف:

(أولاً) على العمل بدلالة هذا الحديث فى الصدر الأول من الصحابة والتابعين.

(ثانياً) على صحته فيما بعد بين الأئمة الأعلام، ومحدثى أمة الإسلام.

وذكرت كلا الخلافين بإسهابٍ فى كتابى ((السعى المحمود بتخريج وإيضاح مناسك ابن الجارود))، وبإيجاز فى كتابى ((البشائر المأمولة فى آداب العمرة المقبولة))، وثانيهما سيتم تحميله على هذا الملتقى المبارك.

[فأما الأول] وهو الخلاف على متنه ودلالته، فلما اشتهر واستفاض من أحاديث توقيت المواقيت لأهل الأقطار وقُطَّان الأمصار، وأوسعها شهرة حديثا ((الصحيحين)) عن ابن عباس: ((وَقَّتَ رسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ، وَلأَهْلِ الشَّأْمِ الْجُحْفَةَ، وَلأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ المَنَازِلِ، وَلأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمَ، هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ، فَمَنْ كَانَ دُونَهُنَّ فَمِنْ حَيْثُ أنشأ، فكذاكَ حتى أهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا) وعن ابن عمر أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ، وَيُهِلُّ أَهْلُ نَجْدٍ مِنْ قَرْنٍ) قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((وَيُهِلُّ أَهْلُ الْيَمَنِ مِنْ يَلَمْلَمَ)).

وأجمعوا بمقتضى هذين الحديثين: أنه لا يجوز لمن أراد حجاً أو عمرةً ألا يجاوز ميقاته الذى هو له، أو الذى يمر به فى طريقه إلى مكة، إلا محرماً. واختلفوا فيمن أحرم من وراء ميقاته، من مصره أو دويرة أهله. فكره ذلك جماعة منهم: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والحسن البصرى، وعطاء، ومالك بن أنس، وإسحاق بن راهويه. وأجازه، بل وفعله: على بن أبى طالب، وأبو موسى الأشعرى، ومعاذ بن جبل، وعمران بن حصين، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعثمان بن أبى العاص، وعتبان بن مالك، والحارث بن سويد، وعمرو بن ميمون، والأسود بن يزيد النخعى، وعلقمة بن قيس، وعبد الرحمن بن يزيد، وخلائق لا يحصون كثرة. وهو قول: سفيان الثوري، والحسن بن حي، وأبى حنيفة، والشافعي.

والآثار عن هؤلاء الصحابة والتابعين فى الإحرام من الأماكن البعيدة مبسوطة فى ((المصنف)) لابن أبى شيبة، و ((المصنف)) لعبد الرزاق الصنعانى، و ((شرح معانى الآثار)) لأبى جعفر الطحاوى.

وقال حافظ المغرب أبو عمر بن عبد البر فى ((التمهيد)) بعد أن نقل مذهب المانعين: ((وهذا من هؤلاء المانعين والله أعلم؛ كراهية أن يضيق المرء على نفسه ما قد وسع الله عليه، وأن يتعرض لما لا يؤمن أن يحدث في إحرامه، وكلهم ألزمه الإحرام إذا فعل، لأنه زاد ولم ينقص. ويدلك على ما ذكرنا أن ابن عمر روى المواقيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أجاز الإحرام قبلها من موضع بعيد. وقال الشافعي وأبو حنيفة وأصحابهما والثوري والحسن بن حي: المواقيت رخصة وتوسعة يتمتع المرء بحله حتى يبلغها، ولا يتجاوزها إلا محرماً، والإحرام قبلها فيه فضل لمن فعله، وقوي عليه، ومن أحرم من منزله فهو حسن لا بأس به. وروي عن علي بن أبي طالب وابن مسعود وجماعة من السلف أنهم قالوا: في قول الله

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير