قلت: على أن جماعة من الأئمة قد اعتبروا كثرة الطرق والوجوه والروايات داعياً قوياً فى ثبوت الحديث وتصحيحه، فصحَّحوه، بل وصنَّفوا فى تصحيحه أجزاءً، كما فعل الإمام أبو سعد السمعانى صاحب ((الأنساب))، واحتجوا لتقويته بفعل جماعة من الأئمة لها ومواظبتهم عليها.
قال الحافظ الزكى المنذرى فى ((الترغيب والترهيب)) (1/ 268): ((وقد روي هذا الحديث من طرق كثيرة وعن جماعة من الصحابة، وأمثلها حديث عكرمة هذا.
وقد صحَّحه جماعة منهم: الحافظ أبو بكر الآجري، وشيخنا أبو محمد عبد الرحيم المصري، وشيخنا الحافظ أبو الحسن المقدسي رحمهم الله تعالى. وقال أبو بكر بن أبي داود سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا.
وقال مسلم بن الحجاج ـ رحمه اللَّه تعالى ـ: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا ـ يعني إسناد حديث عكرمة عن ابن عباس ـ. وقال الحاكم: قد صحت الرواية عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ابن عمه هذه الصلاة ثم قال حدثنا أحمد بن داود بمصر حدثنا إسحاق بن كامل حدثنا إدريس بن يحيى عن حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((وجَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم جعفر بن أبي طالب إلى بلاد الحبشة، فلما قدم اعتنقه، وقبَّل بين عينيه، ثم قال: ألا أهب لك .. ألا أسرك .. ألا أمنحك))، فذكر الحديث ثم قال: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه)).
وقال صاحب ((عون المعبود)) (4/ 124): ((وممن صحح هذا الحديث أو حسنه غير من تقدم ابن منده، وألف في تصحيحه كتاباً، والآجري، والخطيب، وأبو سعد السمعاني، وأبو موسى المديني، وأبو الحسن بن المفضل، والمنذري، وابن الصلاح، والنووي في ((تهذيب الأسماء))، وآخرون. وقال الديلمي في ((مسند الفردوس)): صلاة التسبيح أشهر الصلوات وأصحها إسنادا. وروى البيهقي وغيره عن أبي حامد الشرقي: قال كنت عند مسلم بن الحجاج ومعنا هذا الحديث فسمعت مسلما يقول: لا يروى فيها إسناد أحسن من هذا. وقال الترمذي: قد رأى ابن المبارك، وغيره من أهل العلم صلاة التسبيح وذكروا الفضل فيها. وقال البيهقي: كان عبد الله بن المبارك يصليها، وتداولها الصالحون بعضهم عن بعض، وفيه تقوية للحديث المرفوع)) اهـ.
وأعجب ما فيما سبق:
(أولاً) تصحيح الحاكم حديث ابن عمر، وإسناده مظلم واهٍ بمرة، كما سيأتى بيانه.
(ثانياً) قول الديلمي: صلاة التسبيح أشهر الصلوات، وأصحها إسناداً!!.
قلت: صلاة التسابيح، التى اختلف الأئمة على ثبوتها، وحجية أحاديثها، حتى عدَّ بعضهم أحاديثها موضوعة، وجزم بعضهم بأن أحاديثها ضعاف لا تقوم بها حجة، كيف تكون أشهر الصلوات وهذا شأنها واضطراب حجيتها؟. ومتى كانت أشهر الصلوات، وهؤلاء الأئمة الثلاثة الكبار: أبو حنيفة، ومالك، والشافعى لم يسمعوا عنها شيئاً؟!.
[الطريق الثانية] قال أبو القاسم الطبرانى ((الأوسط)) (3/ 187/2879): حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعى ثنا محرز بن عون ثنا يحيى بن عقبة بن أبي العيزار عن محمد بن جحادة عن أبي الجوزاء قال: قال لي ابن عباس: يا أبا الجوزاء ألا أخبرك .. ألا أتحفك .. ألا أعطيك!، قلت: بلى، فقال سمعت رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم يقول: ((من صلَّى أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة أم القرآن وسورة، فإذا فرغ من القراءة قال: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر، فهذه واحدة حتى يكمل خمس عشرة، ثم ركع فيقول عشرا، ثم يرفع فيقولها عشرا، ثم يسجد فيقولها عشرا، ثم يرفع فيقولها عشرا، ثم يسجد فيقولها عشرا، ثم يرفع رأسه فيقولها عشرا، فهذه خمسة وسبعون في كل ركعة، حتى يفرغ من أربع ركعات. من صلاهن غفر له كل ذنب، صغيره وكبيره، قديم أو حديث، كان أو هو كائن)).
قال أبو القاسم: ((لم يرو هذا الحديث عن محمد بن جحادة إلا يحيى بن عقبة، تفرد به محرز)).
قال ابن أبى حاتم ((الجرح والتعديل)) (9/ 179): ((قرئ على العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين انه قال: يحيى بن عقبة بن أبى العيزار ليس بشيء. وسألت أبى عن يحيى بن عقبة بن أبى العيزار فقال: متروك الحديث ذاهب الحديث كان يفتعل الحديث.
¥