أنه قال: يبدأ في الركوع بسبحان ربي العظيم، وفي السجود بسبحان ربي الأعلى ثلاثاً، ثم يسبِّح التسبيحات.
قال أحمد بن عبدة: وحدثنا وهب بن زمعة قال أخبرني عبد العزيز وهو بن أبي رزمة قال: قلت لعبد اللَّه ابن المبارك: أن سها فيها يسبِّح في سجدتي السهو عشرا عشرا؟ قال: لا، إنَّما هي ثلاثمائة تسبيحةٍ)).
قلت: وهذا إسناد صحيح إلى عبد الله بن المبارك، لكنه تفرد باستحبابها على صفةٍ لم يرد نصٌ بها، ولم يُسبق إليها.
قال ابن مفلح فى ((الفروع)) (1/ 507):: ((ونصَّ أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام، واستحبها ابن المبارك على صفةٍ لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبرٍ لا أصل له. قال: وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكليَّة)).
قلت: وتأمل قوله ـ رحمه الله ـ ((لئلا تثبت سنة بخبرٍ لا أصل له))، فإنه نافعٌ جداً فى مثل هذه المواضع المخالفة للهدى النَّبوى، ولو أقسمت بالله أنه لم يصليها النَّبىُّ صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا أحدٌ من أصحابه بأجمعهم، لكنتُ صادقاً ولم أحنث.
((لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له)) ... ((لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له)).
فما أروع هذا القول، وما أبيَّنه فى الدلالة على مقصود الأئمة فى تضعيفهم هذا الحديث الذى لا تنتهض حجةٌ فى تقوية أمره، ولا شدِّ أزره، لشدة وهيه وشذوذه. وسيأتى بيان أقوال أئمة الفقه فى حكمها موسَّعاً.
وأما شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية، فقد أنكرها جداً، وعدَّها من البدع المستنكرة، فقال ـ طيَّب الله ثراه ـ فى ((منهاج السنة)) (7/ 434): ((وكل صلاةٍ فيها الأمر بتقدير عدد الآيات، أو السور، أو التسبيح فهي كذبٌ باتفاق أهل المعرفة بالحديث إلا صلاة التسبيح، فإن فيها قولين لهم، و أظهر القولين إنَّها كذب وإن كان قد اعتقد صدقها طائفة من أهل العلم، و لهذا لم يأخذها أحد من أئمة المسلمين، بل أحمد بن حنبل وأئمة الصحابة كرهوها، وطعنوا في حديثها، وإما مالك و أبو حنيفة و الشافعي وغيرهم، فلم يسمعوها بالكلية. ومن يستحبها من أصحاب الشافعي و أحمد وغيرهما، فإنما هو اختيار منهم، لا نقل عن الأئمة. وأما عبد الله بن المبارك، فلم يستحب الصفة المذكورة المأثورة التي فيها التسبيح قبل القيام، بل استحب صفة أخرى توافق المشروع لئلا تثبت سنة بحديثٍ لا أصل له)).
وقال ـ طيَّب الله ثراه ـ ((مجموع الفتاوى)) (11/ 579): ((حديث صلاة التسبيح، قد رواه أبو داود والترمذى، ومع هذا فلم يقل به أحد من الأئمة الأربعة، بل أحمد ضعَّف الحديث، ولم يستحب هذه الصلاة. وأما ابن المبارك فالمنقول عنه ليس مثل الصلاة المرفوعة إلى النَّبىِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم، فإن الصلاة المرفوعة إلى النَّبىِّ ليس فيها قعدة طويلة بعد السجدة الثانية، وهذا يخالف الأصول فلا يجوز أن تثبت بمثل هذا الحديث، ومن تدبر الأصول علم أنه موضوع)).
ولله درُّ القاضى الشوكانى، فقد تعقب قول صاحب ((حدائق الأزهار)): ((والمسنون من النفل، قد يؤكد كالرواتب، ويُخص كصلاة التسبيح))، فقال فى ((السيل الجرار)) (1/ 328): ((فالعجب من المصنِّف حيث يعمد إلى صلاة التسبيح التي اختلف النَّاس في الحديث الوارد فيها، حتى قال من قال من الأئمة: إنَّه موضوع، وقال جماعة: إنه ضعيف لا يحل العمل به، فيجعلها أول ما خصَّ بالتخصيص.
وكل من له ممارسة لكلام النَّبوة لا بد أن يجد في نفسه من هذا الحديث ما يجد، وقد جعل الله في الأمر سعة عن الوقوع فيما هو متردد ما بين الصحة والضعف والوضع، وذلك بملازمة ما صحَّ فعله أو الترغيب في فعله صحة لا شك فيها ولا شبهة، وهو الكثير الطيب)).
ويتبع بقية الأحاديث إن شاء الله تعالى
وكتبه أبو محمد الألفى السكندرى
الإسكندرية صباح الخامس من رمضان سنة 1425 هـ.
ـ[هيثم حمدان.]ــــــــ[19 - 10 - 04, 05:49 م]ـ
بارك الله فيك شيخنا الفاضل وأحسن الله إليك. جهد مبارك نافع بإذن الله. جمعتَ فيه بين أقوال الأئمة في الحكم على الحديث وبين دراسة الطرق من الناحية الإسنادية.
ـ[أبو محمد الألفى]ــــــــ[19 - 10 - 04, 06:31 م]ـ
أخى المسدَّد الموفق / الشيخ هيثم حمدان حفظكم الله، وباركم فيكم.
¥