.. ولم يخرجه البخاري مع كون حبيب بن أبي ثابت من شرطه، ولعله إنما أعرض عنه والله أعلم لما فيه من الاختلاف على سعيد بن جبير في متنه.
وهنا إشارة كبيرة من هذا الإمام تعلمنا أن التنقير عما ظاهره الصحة وليس عندهما أو أحدهما لازمٌ، إذ حبيب من رجال البخاري، وحديثه هذا ظاهره الصحة، إذن علينا أن نسأل أنفسنا لماذا لم يخرجه وهو على شرطه، لا بد لنا من هذا السؤال، فإذا عرفنا الإجابة فقد تكون قادحة أو غير قادحة، مثل ما صنع البيهقي إذ رأى أن الاختلاف على سعيد غير قادح في الحديث، فقال رحمه الله:
ورواية الجماعه عن أبي الزبير أولى أن تكون محفوظة، فقد رواه عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أبي الشعثاء عن ابن عباس بقريب من معنى رواية مالك عن أبي الزبير.
والله تعالى أعلم.
المثال الثاني:
قال أبو بكر البيهقي رحمه الله 2/ 403
.... وكان الشافعي رحمه الله رغب عن حديث أبي سعيد لاشتهاره بحماد بن سلمة عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة، وكل واحد منهم مختلف في عدالته، وكذلك لم يحتج البخاري في الصحيح بواحد منهم، ولم يخرجه مسلم في كتابه مع احتجاجه بهم في غير هذه الرواية.
قال ابن التركماني:
أساء القول فيهم:
أما حماد بن سلمة فإمام جليل ثقة ثبت وهذا أشهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه، ومن نظر في كتب أهل هذا الشأن عرف ذلك، قال ابن المدينى: من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين، وقال ابن عدى: وهكذا قول ابن حنبل فيه، وفي الكمال قال ابن حنبل: إذا رأيت الرجل يغمز حماد بن سلمة فاتهمه فإنه كان شديدا على أهل البدع، وقال ابن معين: إذا رأيت الرجل يقع في عكرمة وحماد بن سلمة فاتهمه في الإسلام، وقال ابن مهدى: حماد بن سلمة صحيح السماع حسن اللقاء أدرك الناس، لم يتهم بلون من الألوان ولم يلتبس بشئ، أحسن ملكة نفسه ولسانه ولم يطلقه على أحد ولا ذكر خلقا بسوء فسلم حتى مات.
وأما أبو نعامة فوثقه ابن معين.
وأما أبو نضرة فوثقه ابن معين وأبو زرعة وأخرج مسلم للثلاثة، ولا يلزم من ترك البخاري الاحتجاج بشخص أن يكون للاختلاف في عدالته، لأنه لم يلتزم هو ولا مسلم التخريج عن كل عدل على ما عرف.
قلت:
أما قول البيهقي (وكل واحد منهم مختلف في عدالته) أي عدالة الرواية وهي الضبط، وهذا بَيِّنٌ إن شاء الله تعالى لكن أحببت التنبيه إليه لأن البيهقي كثيرا ما يعبر بالعدالة عن الضبط والله تعالى أعلم.
وأما كلامه رحمه الله تعالى ففي غاية الإتقان (نفعنا الله به) إذ كل واحد من هؤلاء الثلاثة لم يخرج له البخاري رحمه الله حديثا مسندا، فدل هذا أن هذا الحديث على غير شرطه فليتنبه له، الأمر الآخر وهو الأهم أن هؤلاء الثلاثة جميعا على شرط مسلم وقد أخرج لهم في صحيحه، فلم عدل عن هذه الرواية؟ هذا سؤال هام جدا علينا التنبه له دائما في كل راو يخرج له إمام معتبر، فإذا أخرج الإمام لراوٍ ثم وجدنا له حديثا لم يخرجه له وكان الرواة إليه ثقات، علينا أن نبحث لم أعرض هذا الإمام عن هذا الحديث، فلا بد له من سبب والله أعلم
المثال الثالث:
قال أبو بكر البيهقي 1/ 300
أخرج مسلم في الصحيح حديث مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم عشر من الفطرة، وترك هذا الحديث فلم يخرجه (أي حديث الغسل من أربع وفيها من غسل الميت)، ولا أراه تركه إلا لطعن بعض الحفاظ فيه.
قلت:
رحمة الله على هذا الإمام ما أشد تيقظه وانتباهه، لم يخرج مسلم بهذه النسخة إلا حديثا واحدا وهو حديث عشر من الفطرة، الذي ذكره البيهقي، إن أبا بكر لما وجد مسلما خرَّج حديث عشر من الفطرة أشكل عنده تركه لهذا الحديث وهو أصل في بابه، سأل البيهقي نفسه هذا السؤال ثم أجاب بقوله:
ولا أراه تركه إلا لطعن بعض الحفاظ فيه.
قلت:
ومشهور قول كثير من الأئمة لا يصح في هذا الباب شيء، وليس هذا مقام الكلام فيه.
المثال الرابع:
قال أبو بكر البيهقي 3/ 263
هذا حديث لم يخرجه البخاري ولا مسلم في كتابيهما، وأبو بكر بن أبي الجهم يتفرد بذلك، هكذا عن عبيد الله بن عبد الله.
قال ابن التركماني:
¥