تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلت: راجعني بعض إخواني الأفاضل من المشتغلين في رد رواية أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث المرسلة برواية أم سلمة الموصولة التي رواها ابن إسحاق بالسند الصحيح لقصة خروج المسلمين إلى الحبشة، ذلكم أن الحادثتين متغايرتين.

و هذا إيراد وجيه عند أول اعتبار، و لا شك أن له وجها من النظر، لكن عند التأمل نجد أن استدلالنا لا يخلو من وجاهة أيضا و ذلك لجملة أمور مجتمعة:

الأول: القول أن الحادثتين متغايرتين فيه نظر، بل المسألتين مرتبطتين بأمرين مجتمعين:

1/ إن أصحاب القول بالرواية المنكرة (قصة الغرانيق) ذكروها كسبب لرجوع مهاجرة الحبشة إلى مكة.

2/ استدلالنا برواية أم سلمة رضي الله عنها الموصولة لإعلال الرواية المرسلة يقوم على:

أن الرواية الموصولة أطول رواية صحيحة وردت في قصة الهجرة إلى الحبشة.

أن الرواية الموصولة الصحيحة جاءت من طريق الزهري عن أب بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها، و لو كان لمرسل عبد الرحمن بن الحارث من طريق الزهري أصلا لما أغفلته رواية أم سلمة الطويلة الواردة من طريقهما، و أن الداعي لذكر سبب الرجوع وارد، لا سيما و أن الرواية الموصولة ذكرت تفاصيل كثيرة دون سبب الرجوع في الأهمية بكثير.

3/ فنحن إذن أمام روايتين من طريق الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث في مسألة واحدة:

الأولى: مرسلة و فيها قصة منكرة (قصة الغرانيق) تخالف ما ورد في الصحيح.

الثانية: موصولة و سندها صحيح و هي أطول ما جاء في قصة مهاجرة الحبشة و لم يأتي فيها تلكم الرواية المنكرة و لم تتطرق لسجود النبي صلى الله عليه و سلم بالنجم كسبب لرجوعهم.

فأما الذي يوافق منهج الأئمة النقاد هو القول بنكارة الرواية المرسلة، و لا يستبعد أن السند مركب، و الصحيح من رواية الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث، هو ما رواه ابن إسحاق عنه من مسند أم سلمة رضي الله عنها و لا ذكر للقصة المنكرة البتة و للحمد و المنة.

و لهذا المسلك من الإعلال نظائر عند النقاد أحيل على كتاب العلل لابن أبي حاتم حتى يرى طالب العلم كيف يعل الأئمة النقاد الأحاديث المركبة و التي دخل فيها حديث في حديث و غير ذلك، بأمور تبدو أولا بعيدة و لكنها عند التأمل وجيهة. و الله تعالى أعلم.

4 - مرسل الزهري:

قال السيوطي في الدر المنثور (6/ 67): (وأخرج ابن أبي حاتم من طريق موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال لما أنزلت سورة النجم وكان المشركون يقولون لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقرنناه وأصحابه ولكن لا يذكر من خالف دينه من اليهود والنصارى بمثل الذي يذكر آلهتنا من الشتم والشر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد اشتد عليه ما ناله وأصحابه من أذاهم وتكذيبهم وأحزنته ضلالتهم فكان يتمنى كف أذاهم فلما أنزل الله سورة النجم قال: أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى القى الشيطان عندها كلمات حين ذكر الطواغيت فقال وانهن لهن الغرانيق العلى وان شفاعتهن لهي التي ترتجى فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنه فوقعت هاتان الكلمتان في قلب مشرك بمكة وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها وقالوا ان محمد قد رجع إلى دينه الأول ودين قومه فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتى بلغت أرض الحبشة فأنزل الله وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي فلما بين الله قضاءه وبرأه من سجع الشيطان انقلب المشركون بضلالتهم وعداوتهم للمسلمين واشتدوا عليه).

ثم قال السيوطي: (وأخرجه البيهقي في الدلائل عن موسى بن عقبة ولم يذكر ابن شهاب).

قلت: و هو كما قال، فلقد أخرجه البيهقي في دلائل النبوة (2/ 285) من طريق إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن عمه موسى بن عقبة في كتاب المغازي قال: (ثم إن قريشا ... ) هكذا دون ذكر للزهري و ساق قصة طويلة.

و حسب هذا نكارة أنه مع إرساله بل إعضاله، مناف لما ثبت عن الزهري نفسه عن عروة و أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث عن أم سلمة رضي الله عنها في قصة طويلة صحيحة السند عن ذهابهم إلى الحبشة لم يذكر فيها رجوعهم بسبب هذه القصة المنكرة فليتنبه.

ثم إننا سبق أن نقلنا قول يحيى القطان في مراسيل قتادو و الزهري و أنها شبه الريح.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير